18 ديسمبر، 2024 8:18 م

شهيد من شباب الناصرية وجدته لأبيه(قصة)

شهيد من شباب الناصرية وجدته لأبيه(قصة)

خلال متابعتي للأحداث في وسط وجنوب العراق وتحديدا في الناصرية البطلة وجدت ببن الاسماء اسما لأحد شهداء محافظة ذي قار علمت انه ابن ‏احد الأصدقاء الذين اعرفهم منذ فترة طويله في ثمانينيات القرن الماضي ‏وحاولت السؤال عن والده من خلال بعض الأخوة الذين اعرفهم هناك في مدينة الناصرية وقد تمكنت من الوصول إلى وسيلة اتصال به وعندها قمت بالتواصل معه من أجل إبداء التعزية له ولعائلته على فقدان ولدهم الشاب خلال أحداث الاحتجاجات في مدينة الناصرية وتبين ان ابنه الشاب بعمر لم يتجاوز ‏الثمانية عشر عاما ‏كأنه ينظر إليه وهو يكبر أمام عينيه من أجل أن يعوض به سنين الحرمان التي واجهها الاب المفجوع طيلة سنوات عمره التي قضاها في ثمانينيات القرن الماضي مطاردا من قبل النظام السابق بمؤسساته الحزبية والأمنية مما اضطره للعيش في داخل أهوار الجنوب الذي كان ملجأً لكل الأحرار من العراقيين هربا من بطش النظام البعثي الاجرامي ولذلك كانت أهوار العراق تشكل هاجسا خطرا على نظام صدام حيث عمد الى تجفيفها وإماتتها وقتل الحياة فيها الى درجة اعدام حتى الطيور والقصب الشامخ والبردي المترنح وتهديم بيوت اَهلها ،، في ذلك المكان التقيت والده أواخر ثمانينيات القرن الماضي ووجدته شامخا شموخ مدينته الناصرية ويأخذ قوته من سليل الرجال الذين مروا على المحن وهم يضعونها تحت اقدامهم لأنني عرفت الرجولة بينهم وبين تلك الإرادة التي تعلموها من آبائهم رجال ثورة العشرين الخالدة بعز وشموخ اهل الجنوب العراقي.

ولكن ما رأيته من عناد وثبات في عيون هذا الصديق المؤمن هو نابع من قوة وشجاعة الأصالة السومرية التي تحملها والدته تلك المرأة التي كنت اطلق عليها انها ثورة وبركان ضد الظلم والجبابرة لما رأيته فيها من عمق الأصالة لامرأة تخرج من رحم التاريخ السومري بإشعاع حضارتها لتعبر لنا عن الموقف والثبات والكلمة فكانت خير معين لنا وخير داعمة ومشجعة وخير أمٍ تحمل أهاتنا ومصائبنا وتجعل من خوفنا احيانا شجاعة بطعم البركان ، كانت تشد على يدي وهي تقول لي ( وليدي ابن الخالص) كما يروق لها تسميتي حرصا منها على عدم ذكر اسمي كونها تتمتع بحس أمني وحذرة جدا رغم انها لم تدخل مدرسة او جامعة خوفا على حياتنا وشبابنا كي لا يضيع من بين يديها.

كانت تقول لنا ( وليداتي حياة باجر الي تموتون لأجلها مو إلكُم ، هي لأولادكم من يولّي هذا النظام ويروحون البعثيين إيعيشون ولدكم بخير ونعمة هاي الارض الطيبة) طبعا كانت كلماتها حكمة ترن في أذني ما حييت ولم أنساها ابدا رغم تقادم السنين ومشاكل الحياة وأمراضها لأنها عبرة وخارطة حياة تذكرتها جيدا عندما سقط نظام البعث قلت هنا تتحقق مقولة الوالدة الشجاعة الحاجة (………) نزولا عند طلبها لم اذكر اسمها .

حين كلمت ولدها والد الشهيد الشاب علمت انها لا زالت على قيد الحياة تصارع سنين الثمانينات بقوة جبارة وبعقل زاخر بالعطاء للوطن وقوة تَحُمّل لا يمتلكها حتى ابنها المجاهد الذي شق طرق الهور عرضا وطولا ارعب فيه جبروت البعثيين .

كلمتني بصوت شجي يذكرك بتاريخ وإرث الناصرية وبروح حضارة سومر ومدينة أور فترقرقت أذني بصوت الام الحنونة وتذكرت مزاحها وحزنها في الهور عندما تصل إلينا بمشحوفها وهي تحمل صينية الطعام من القيمر والخبز الحار وتجازف بحياتها وهي امرأة ضعيفة البدن قوية العزيمة لان اللقاء بِنَا يعني الإعدام في عهد البعث المقبور . وأنا استمع الى لحن صوتها قالت لي (يمة ابن الخالص تتذكر حديثي وياكم عن وليداتكم شلون لازم يرتاحون، شفت يُمّة شلون راح من بين أيدي إوْلَيد ابني وهذا هو أبوه صار يبجي على الوطن وعلى إبنه) حزت هذه الكلمات أطرافي وتوقف نطقي وأجهشت بالبكاء على حالها، تلك النبرة في صوتها كانت تحمل معاناة السنين والألم والقهر والخوف والخطر ، ليصبح في النهاية ما حصل هو مقتل كل الامنيات التي أفرحتنا بها بحديثها ذات يوم قد قُتِلت، وعنادها الذي كانت تقهر به جبروت البعث وسلطته الفاشية ولّى ادراج الرياح لأن فجيعة القتل كانت اكبر وقعا على نفسيتها وهي ترى حفيدها يقتل في زمن غير زمن البعث. فقلت لها أماه انت كبيرة وشامخة وعقلك يعدل كل المتسلقين على كراسي الحكم يوم كانوا هم في الرخاء وانت في مواجهة اعتى نظام مستبد وقاتل الذي كان يرتجف منه الكثيرين ممن هم اليوم تحت قبة برلماننا العتيد.

همسة اقولها لرئيس الوزراء المستقيل وحكومته ولبرلماننا ولكل الايادي المدسوسة والمغرضة واصحاب الاجندات.. أقول لهؤلاء الذين قتلوا المتظاهرين الفقراء السلميين.

انهم كانو يبحثون عن وطن فيه سكن وحياة كريمة ولم يكونوا باحثين عن قبور .