ألعظماء هم الذوات الذين جسدوا في ميادين عطائهم، أقصى وأنقى وأعلى درجات الفكر والقيم والأخلاق، فعلاً وقولاً وسلوكاً ومصداق، وقدموا دروساً بليغةً وراسخةً وجامعةْ، وبقيت بصماتهم نبعاً هادراً، تنتهل وترتوي منه الأجيال، على مر الحقب والأزمان، في ميادين الحياة المختلفة والمتعددة.
رسموا ونظروا وأسسوا مشروعاً تصحيحياً تكاملياً عالميَ الإحتواء والتطبيق، ترتكز أبعاده وملامحه القيمية، على بناء الروح الإنسانية الكبيرة، ثم السعي لتمكينها وتحويلها إلى طاقاتٍ عملاقة، ينطوي فيها العالم الأكبر.
ألحديث عن الرجال، وما يحملون من صفاة وقدرات وطاقات وإمكانات، وما قدموا وما حققوا من إنجازات، في مجالات حياتهم ومسيرتهم وسِفرِهم، يحتاج إلى حيادية تامة وواقعية، وقراءة موضوعية عن حياة أولائك الرجال ومواقفهم، والتحلي بالفهم والإنصاف والمعرفة المستفيضة، والإبتعاد عن كل أنواع الإنفعالات والعواطف، ليكون حديثاً نافعاً وحقيقياً و واقعيا، يعطي الصورة المتكاملة في جميع أبعادها ويروي الحقيقة بكل أجزائها وتفصيلاتها.
شهيد المحراب السيد محمدباقر الحكيم، أقل وصفٍ يناسب شخصيته أنه أمةً في رجل، لما يمتلك من مقومات ومؤهلات ومناقب وصفات، جسدها على أرض الواقع من خلال السيرة الذاتية الحافلة بالعطاء والبذل والتضحية بغية تحقيق مشروعه الإنساني الإسلامي والأخلاقي والوطني، والذي أعطى في سبيله التضحيات الجسام، وقدم القوافل من الشهداء على مذبح الحرية، أخوةً وأهلا وأبناء عمومة، في طريق الجهاد والكفاح والتحرر، ومن أجل العدالة وإحقاق الحق، ونصرة المظلومين، وصولاً لإقامة دولة العدل والمساواة.
من أرض الغري والوادي المقدس طوى وعلى ربوة عالية مطلة على حافة الصحراء الغربية، يلوح بريق قبة ذهبية تعانق أعنان السماء، يرقد تحتها باب مدينة علم الرسول حيث النجف الأشرف، تلك البقعة المباركة التي احتوت بين ثراها أجساد الأنبياء والأولياء، ولد شهيد المحراب الحكيم، فبين العبق الرباني والأنفاس الملكوتية، وفي كنف أسرة آل الحكيم، آل العلم والجهاد والفقاهة والشهادة، ترعرع ونشأ وانتهل العلم والمعرفة.
طريق الجهاد وتحمل المسؤولية، هي محطة أخرى ترك الحكيم بصمته فيها، فقد تصدى شهيد المحراب الخالد، لأعتى طاغية وأبغض نظام، المتمثل بالطغمة العفلقية الجائرة، فعقودٍ ثلاثةٍ ونيف، كانت مفعمة وحافلة بأروع الصور وأعظم المشاهد، في طريق التضحية والفداء، حتى تحققت إرادة ومشيئة العدل الإلهي، بسقوط النظام العفلقي الكافر، ليعود حكيم العراق يحمل بين كفيه هموم الوطن ومعاناته.
الشهادة، هي المحطة الأخيرة في حياة النفس الزكية، في مرقد جده حيث الصلاة والجمعة، في الأول من رجب الحرام صائماً محتسباً ومتهجد، كان موعد إقلاعها فانتقلت روحه الطاهرة راضيةً مرضيةً فرحةً مستبشرةً بلقاء ربها، وارتحل شهيد المحراب الخالد، لتعود علينا الذكرى في كل عام، فنجدد بيعتنا له، بأننا على العهد الذي فارقنا عليه، لا نحيد ولا نتراجع وسوف نستمر.