ربما تأخرت قليلاً بالكتابة عن شهر رمضان، ولا اعرف السبب الحقيقي وراء تأخري، ربما اهمال وتقصير مني، فلا يمكنني ان اتهم شيطاني، لان الشياطين في هذا الشهر مغلولة!
هنا يلح على انحناءات دماغي سؤال صغير، اذا كانت ذنوبنا تسجل ضد الوسواس الخناس، وبتحريض منه طيلة ايام السنة؟ فلماذا مازلنا نذنب في شهر رمضان؟ وشهر الطاعة والغفران، أأصبح الذنب فينا عادة!؟ان الشياطين بريئة من ذنوبنا في هذا الشهر براءة الذئب من قميص يوسف.
تتمحور فلسفة الصوم بالأساس حول الروحانيات قبل الماديات، لان الامتناع عن الاكل والشرب لبعض الوقت لا يعد تحدي حقيقي، او اختباراً صعباً، خصوصا ونحن نعيش في عالم يهرول خلف اسلوب الحياة الصحي، للوصول الى جسم رشيق وممشوق، فالبعض منا يتبع نظام غذائي صارم للوصول للنتيجة المطلوبة.
ان التحدي الحقيقي ان نجبر عقولنا و حواسنا على الصيام، وهي قد اعتادت الافطار بالحلال والحرام !
ان تستيقظ صباح اول يوم رمضان وانت تكلم اجزاء جسدك وتلقنها دعاء ونية الصيام، بما فيه من قيود ومحرمات، فهذا شيء ليس بالهين، وربما ستخسر التحدي اول النهار، حتى قد تبدو البدايات سيئة، ووجهك عابس ليس لشيء سوا انك صائم!
حتى ان نفسك قد تبدأ وسوستها، لقد فسد الامر( انها ليست حجة للافطار) بل العكس تماماً، لان رمضان يعلمنا ان للأمر ثلاثون بداية ونهاية سعيدة واحدة، ثلاثون يوم لنبدأ من جديد في كل يوم مرة اخرى، ثلاثون يوم لنبني ما هدمناه!
ثلاثون يوم للاستغفار، ثلاثون فرصة لترتيب اولوياتنا، ثلاثون يوما يخبرنا ببساطة اننا نمتلك القدرة على تغيير حياتنا بأكملها، من خلال تغير منظورنا للحياة قليلاً.
لهذا سمي شهر رمضان شهر الطاعة والغفران، فهو واحة امل ومنظومة لتنقية الجسم من سموم الذنوب، واعادة فلترة لأفكارنا وسلوكياتنا وعاداتنا وجعله تقويم اخلاقي لما قبله وما بعده.
الكثير منا يخسر صيام وقيام شهر رمضان، باول ايام العيد! ويا لها من خسارة؟!
ان كبرى شركات العالم تقوم على منهجية التقويم والتقييم، كذلك شهر رمضان جاء وسط الشهور بمثابة وقفة استدراكية لأدائنا الدنيوي والاخروي.
لذلك علينا التمسك بقوة بتلك الروحية العالية التي تظللنا في شهر رمضان، الى ما بعده من الايام، علينا ان نستمر بكفالة اليتيم، وتفقد الفقير، ونستمر بالسؤال عن ذلك الجار العصبي!
فلا نجعلها عادات رمضانية فحسب بل عادات يومية، هكذا هو رمضان رياضة روحية، بفيوضات ألهية، فلا تحرموا انفسكم من عطاياها.