23 ديسمبر، 2024 10:25 ص

شهداء المنفى ..محمد شاكر السبع انموذجا !

شهداء المنفى ..محمد شاكر السبع انموذجا !

اليوم ، يمر شهر كامل على رحيل الروائي والصحفي العراقي محمد شاكر السبع في كندا في ظروف بائسة ولأنني لم أكن اعرفه شخصيا فقد سألت عنه صديقه وشريكه في الغربة الشاعر العراقي الكبير عيسى الياسري الذي اتواصل معه عبر الهاتف ..لم يحدثني الياسري عن قيمة السبع الروائية او تاريخه الادبي بل حدثني وبمرارة عن طريقة موته وماأعقبها ..لم تكن طريقة موته مفاجئة لنا ففي داخل البلد يموت المبدعون احيانا وحدهم مهملين من الدولة ومن الاصدقاء فكيف اذا كان المرء مغتربا ..وحيدا وفقيرا ..هل يشفع له تاريخه الأدبي ليجنبه الموت غريبا عن بلده ومهملا خارجه ؟…
استوقفني مااعقب وفاته ، ففي كندا التي عاش فيها ردحا من عمره يتم حرق جثة المتوفي اذا لم يستلم جثته احد او يتمكن ذويه من دفع اجور دفنه وأجور الدفن هناك باهظة جدا ، لذا خضع الراحل السبع لهذه التجربة المريرة بعد وفاته اذ وافق القنصل العراقي على حرق جثته !
ربما كان الأمر بالنسبة لشعوب اخرى صحيا او يندرج ضمن طقوسهم الدينية أما بالنسبة للعراقي فيمكن ان يمثل له مثل هذه الخبر صعقة نفسية وهو ماحدث للياسري ،فأن يتحول جسد صديقه الى رماد غريب بعد ان كان جسدا وروحا غريبتين خلال حياته امر لايمكن احتماله ، وهكذا ، قررت ابنة الشاعر الياسري الدكتورة اروى التكفل بجمع تبرعات من العراقيين لتجنب السبع المرور بهذه التجربة ولترد له بعض الاعتبار على أقل تقدير بعد ان توفي مهملا ومجهول الهوية في احدى المستشفيات الكندية ..وهكذا، قامت باجراء اتصالات مع ابناء الجالية العراقية فاجور دفنه تبلغ 6500 دولار بينما لايتمكن العراقي المغترب في كندا من التبرع باكثر من 100 دولار لشحة الراتب الذي يستلمونه من الحكومة الكندية ..رغم ذلك ، تمكن الياسري وابنته من جمع 2500 دولار من معارفهم وانتظروا ان تبادر القنصلية العراقية بالتكفل ببقية المبلغ لكن خبر حرق جثة السبع لم
يستوقف القنصل العراقي الذي ينفق اكثر من مبلغ الدفن في واحدة من امسياته الثقافية التي اعتاد اقامتها لشاعرات وادباء لايبلغون مكانة السبع ولا الياسري ولاتاريخهم ، وكان كل ماخرج من جيبه (200) دولار فقط ، لذا انقذ الموقف مطرب عراقي اسمه سلام العراقي وصفه الياسري بذي القلب اليسوعي الطيب فتبرع بمبلغ 4000دولار ليستقر جسد السبع اخيرا في قبر،كما ابدى رجل دين ليبرالي متنور هو الشيخ نديم الطائي استعداده لتخصيص قبر له في مقبرته ..
الغريب في الأمر ان القنصل لم يرجع الى السفير العراقي في كندا ليقرر حرق جثة السبع ، أما بعد ان وجد السبع قبرا بجهود العراقيين الشرفاء من اصدقائه وابناء جاليته فقد بادر السفير العراقي بحضور مجلس العزاء في مونتريال قادما من اوتاوا بينما انبرى القنصل (الكريم ) لرثاء السبع في قصيدة بائسة لم يكن السبع بحاجة اليها اكثر من حاجته الى قبر يحتضن جثمانه ومبادرة حقيقية للاهتمام به خلال حياته وبعد وفاته …
يقول لي الكبير الياسري ان على المبدعين العراقيين في الغربة ان يضعوا وصيتهم منذ الآن ويطالبوا بحرقهم قبل ان يأمر قناصل سفارتهم بذلك ، فاذا كانوا قد خرجوا من احضان بلدهم مرغمين ، فسيكون بامكانهم على الأقل ان يختاروا مصيرهم خارجه !!!