أنا الموقعة أسفله.. أحمل اسما ليس ككل الأسماء.. اسما على وزن الأنوار والأشواق.. أتأثر بالميولات والأذواق..أرتبط بالقيم والأفعال.. أنا الرداء الذي يلبسه الجميع.. لا أستثني منهم أحدا، لاسادة ولا عبيد.. أتواجد بين قبضة الشك واليقين.. بين الهدم والبناء والترميم.. ثابتة أنا.. متفائلة أنا..مصرة على عدم الرحيل.. أتسم بالتجريدوالتعقيد.. أريد بي التنوير.. أريد بي التضليل.. مسافات تتمثل في جوف المعنى والمفاهيم.. أتواجد بين نوعين من التقدير.. بين الفروسية والكهنوت.. أواجه هزات سلمالتقويم.. أنا الروح الخالدة التي لا تنام ولا تموت بعد الرحيل.. “إن ذهبت عنهم، ذهبوا“..هذا ما قاله عنيالحكيم.. أتصل بالمبادئ والأنساب.. وأرتبط بالأنظمة والأنساق.. هي عادات وتقاليد تتوارثها الأجيال.. فلاسفة، كتاب وأدباء.. كتبوا عني حتى سال المداد.. وجودي مرتبط بالحياة والأحياء.. وغايتي تكمن في تهذيب سلوك الأفراد.. هناك من يدعي أنني رسالة الآلهة للأنبياء.. وهناك من يرى أنه لا جدوى من هذا الاعتقاد.. اختبار منه للأقوام.. أتطور بتطور اللاهوت والأديان.. هل أنا من صنع العباد..أم من ابتكار خالق العباد؟.. سؤال حيرني وحير العلماء.. هناكمن يقدسني حد الضغط على الزناد.. وهناك من يدنسني كي أظل في اختفاء.. هكذا صار نكران الذات في خبر كان.. وباتت الذات ما بعد الواجب هي المعيار..
تربعت على عرش الفلسفة وأبراجها.. وارتبطت بالممارسات الاجتماعية وواقعها.. يقر الجميع على ضرورة وجودي.. أصر كانط أن يضفي علي الطابع الإلزامي.. طابع الحتمية القاطعة باعتباري، غاية في حد ذاتي.. ربطني دوركايم بتطور العقل الجمعي.. ووصفني بكوني ظاهرة اجتماعية.. أهدف إلى التماسك الاجتماعي.. يرى ديكارت أنني أعلى مراتب الحكمة.. مدخلا رئيسيا للوصول إلى الحقيقة.. أستند في الأديان على ينبوع الإيمان بالله والفضيلة.. وأرتكز على الوصايا العشر.. على أجزاء التلموذ.. وعلى المشناة والجمارا.. يرى سبينوزا أن لا سعادة من بعدي.. والتشبث بي، يعني العزف على أوتارالحياة.. هناك من يدعي أنني مكتسبة.. جئت قبل مجيءآدم وحواء.. وهناك من يرى أنني فطرية.. في ملامحيشيء من الله.. هذا أجمل ما يميز الإنسان.. صحيح أنني جئت لأنشر المحبة بين الأقوام.. وأثبت المودة عبر الأزمان.. إلا أنني اليوم، أشهد تراجعا وانزلاقا ما بعده انزلاق.. في الأفعال وفي الأقوال.. لم أعد آلة للضبط والانسجام.. ولم أعد ضرورية للاستمرار والاستقرار.. التمييز بين الخطأ والصواب، أصبح غير ممكن على الإطلاق.. عاجزة أنا علىالتجسيد في المواقف والسلوكات.. أواجه كثيرا من التحديات.. تنفيذية، تحليلية ومفاهيمية حد الشقاق..وأشهد أن المبادئ والمعايير.. لم تعد محورية في تطور المجتمعات.. ثقيلة على الشعوب والأنظمة والحكام.. مات الجوهر والقيم.. بقيت الأصفار والأصفاد.. لم يكن الجاحظ ومونتسكيو.. كانط وجون لوك يظنوا.. أن التلوث الفكريوإفراغ القيم من معناها الحقيقي.. قد يجعل الحياة ممكنةمن بعدي.. وتصبح استباحة المحرمات أمرا مألوفا لديه.. حتى ولو كان الأمر بشكل ثاني.. سجلت تفشي الفساد على أوسع نطاق.. انكسرت الجسور بين الله والعباد.. هوت السماء.. ضاعت المكتسبات.. معايير محددة ينحتهاالسفهاء.. تزييف الواقع وتبرير الاستبداد.. يتربع على أعلى درجات ثالوث الظلام.. من قال أن ميكيافيلي قد مات؟.. مكيافيلي في أذهان الحكام.. في عهدكم، الضمائر والواجب لا يفيد.. الدهاء والسلطة وحدها تفيد.. بعد أن أعلنتم ولاءكم للسلاطين.. وشربتم نخبانتصاركم.. ماذا تركتم للشياطين؟..
ناديتني.. رحبت.. بايعتك.. أخلصت.. لم أجادلك يوما.. لم أسألك من أين أتيت.. ولا كيف أتيت.. أو لماذا أتيت.. قررت ألا أسألك حتى وإن طلبت.. لقد فات الأوان.. ضاعت الآمال.. ضاع الوقت.. لكن لم يمت العقد.. وقعناه في ذلك العهد.. منذ ذلك الحين، لم نذق العسل لم نتذوق الشهد.. اسأل القبر.. اسأل القبو.. سوف يحكي لك من أكون أنا ومن تكون أنت.. أشهد أنني بالعهد قد وفيت.. والله شاهد،أكررها للمرة الألف.. لا يهمني من تكون ومن هو أبوك.. لا يهمني لون لباسك ولا فصاحة لسانك.. ما هو أصلك وما هو فصلك.. ما يهمني حقا، هو درجة إيمانك.. بي.. مدى وفائك بعهدك.. لي.. مدى اهتمامك بأهلي قبل أهلك..
أعلم أنك تعلم أنني أعلم ما أنت بنا قد فعلت.. لكنني لا أعلم لماذا قد فعلت.. كل ما أعلمه هو أنك هنا وفق عقد لم يلزمك به أحد.. أنت هنا من أجلي.. ليس من أجلك أنت.. كي تجعلني أسمو وأسعد.. وتضمن التوازن وأسند.. لا تسألني أين هي الثروة.. ولا تلمني إن قامت الثورة.. الظلم والجوع علينا نقمة.. لا تنتظر مني الصحوة.. نسفوها من أول وهلة.. لا أملك سلاحا ولا سلطة.. ما أملك هو موقفا ونبض قلب.. يكاد يتوقف من شدة الحسرة.. وأملك كلمات قلت عنها ذات يوم.. “جوفاء بلا معنى“.. جعلت بيني وبينك جسورا.. جروحا.. لا تنسى.. روابط أصابتها اللعنة.. سمعت صوت جدتي يهاتفني.. تشدني بالقوة.. أصحيح ما سمعته يا بنيتي بمحض الصدفة؟.. قبل أن أجيبها، قلت “سامحت الله على رحيلك يا “حنا”.. حمدته على أنك رحلت قبل..أن تنهار الأخلاق والدنيا.. (تتمة).