يعجز المرء حين يُحاول وصف شهيد عظيم من شهداء الحركة الأسلامية العراقيّة و اقرانهم ألّذين واجهوا بصدورهم الطاهرة و بأياديهم البيضاء أعتى نظام دكتاتوري عرفته البشريّة الحديثة, بل يشعر بآلخجل و آلأستصغار و الحقارة أمامهم, لمقدار عظمتهم و حجم مواقفهم و عظيم صمودهم و تحديهم للطاغوت, تلك المواقف التي لا تحدّها حدود دولة و لا تجمعها القوانين الأرضية و لا يمكن أن تصفها لغة من لغات الدُّنيا حتى العربية, و تكون الحيرة أكبر حين يكون هذا الشهيد العظيم إنساناً بلغ درجة الآدميّة كآلشّهيد العظيم محمد باقر الصدر(قدس)(1)!
تنبهت لخطاب وجّهه بعض المؤمنين عبر الفيس للمرجعية التقليديّة المتحجرة ألتي عّقدَ الكثير من العراقيين ألأمال عليها بدون أمل أو فائدة, طالبين منها بإلحاح إتخاذ الموقف الواضح والصريح والعملي من الكيانات السياسية و دعوتهم على الأقل للوحدة لمواجهة المد البعثي و الأرهاب السلفي الذي أسال بحاراً من الدّماء في كل العراق! و قد قلتُ لهم التالي:
ألأخوة المؤمنون في عراق الضيم و آلمآسي؛ حفظكم الله و سدّد مواقفكم : أنتُم بندائكم ألصّادق هذا للمرجعية التقليدية .. إنّما تُخاطبون أجساداً بلا قلوب و هياكل بلا إحساس و رؤوساً بلا آذان لعدم إيمانهم بآلأمر بآلمعروف و النهي عن المنكر التي تجلب المكاره و المواجهات لهم و هم أرادوا و يريدون إسلاماً مرفّهاً خالياً من كل ما يشوب صفوا حياتهم و حياة أبنائهم و نسائهم و ذويهم الباذخة!
و أقسم بآلله بأنّي طفتُ بلاد آلشرق و الغرب و لم أرَ قُساة قلبٍ أقسى من هذه المُسماة بآلمرجعية التقليدية أبداً و هي تتستر بعباءة أهل البيت ظلماً و زوراً لأستحمار آلناس و لتقبيل الأيادي و آلأبهة الكاذبة المزورة, هذا الحكم ليس مجرد إستطلاع رأي فقط .. بل لمعرفتي القديمة بها منذ الستينات يوم كان آبائي و أجدادي يزوروهم كلّ عام لدفع الخمس و الزكاة, و كنت مرافقهم الدائم و من قرب, و لم يكن يسألون المرجع عن مصير تلك الأموال التي بلغت في إحدى المرات نهاية السّبعينات أكثر من ثلاثة مليار دولار كانت مودعة في بنوك لندن و سويسرا بأسماء أبنائهم و كأنها إرث شخصيّ توارثوه, هذه هي الصورة الأولى التي رأيتها بنفسي!
أما الوجه آلآخر, أو الصورة الثانية للمرجعيّة فإنها تختلف قلباً و قالباً عن الأولى, وهي أنني عندما تعرفت على الصّدر الأول بعد قرائتي لكتبه و لقائي بآلشيخ العظيم الشهيد ماجد البدراوي الذي كان من أبرز تلامذته, تعلّقت به كثيراً و كنتُ أزور الصدر الأول(محمد باقر الصدر) كل شهر و في كل مناسبة و كان يُذكرني بآلأمام الحسين(ع) و كنا حين نُبْلغه أحياناً بشهادة أحد إخواننا في زنزانات صدام نهاية السبعينات؛ يتأثر كثيراً و يبكي و دموعه تنهمر على خدّيه رغم إنّهُ لم يكن يعرفه و لم يلتقيه يوماً! و كان يدعو على البعثيين و يتمنى آلخلاص من أيديهم, و كان (قدس) يُوصينا بضرورة الصّمود و آلصبر و آلمقاومة عند المواجهة, بقوله: [إن القضية كبيرة و عددنا قليل و ليس أمامنا سوى الصمود و العمل بإخلاص و حذر]!
صورتان مختلفتان تماماً؛ صورة تُمثّل خط الحسين(ع) و آلأئمة الميامين و آلنيابة الحقة للأمام الحجة(ع)!
و صورة تمثل الأستغلال و الذلة و الجبن من أجل ملذات الدنيا و إستحمار الناس و هدر كرامتهم و عزّتهم!
و يبقى الفارق كبيرا و كبيراً جداً بين قلبٍ إنسانيّ إمتلأ بآلرّحمة و الأنسانية و المحبة لعباد الله, و بين قلب همّه الأول و الأخير جمع الأموال و الركون للدنيا لمصالح خاصة و ضيقة؟
فأين هذا القلب الصدري الأنساني النبيل من تلك القلوب المتحجرة القاسية التي لم تكن ترضى حتى بإستقبالنا إلّا لدفع الخمس و آلزكاة .. ناهيك عن سماع آهاتنا و ما كنا نعانيه على أيدي البعث الزنيم الرجيم!
قلوب متحجرة خُليتْ من الرّحمة و الشفقة والأنسانية و لم يكن همّها و إلى آلآن سوى سمعتها و مصير أبنائها و بناتها و اموالها في لندن و سويسرا وغيرها!
ملايين من العراقيين المظلومين قتلوا و فُجّروا وتقطعت أوصالهم على يد الأرهابيين و آلحال مستمر و لم تُفتي المرجعية المتحجرة حتى بفتوى واحدة صريحة لأدانة أؤلئك الأرهابيين المجرمين و وجوب القضاء عليهم!؟
فأيّة مرجعية هذه بآلله عليكم بعد كل هذا الأجحاف و الظلم و الجُبن و الخنوع!؟
هل هناك أجبن من هؤلاء في الوجود بحسب وصف الأمام الحسن(ع) للجبان بقوله:
[الجبان من إستأسد على أهله و جبن مع عدوه], و المشتكى لله و ليس هذا فقط .. بل آلأمر أمرُّ من ذلك؛ حيث دَعَمَتْ تلك المرجعية الصّامتة الجامدة المتحجرة الظالمين .. و لم تتفوه بكلمة ضد الظلم الذي لحق بآلعراق على مدى السنيين بعد ما تعاونت مع البعثيين في السّر للحفاظ على نفسها, و هكذا سكتت دهراً و لم تنطق بكلمة حقّ رغم خراب البلاد و العباد, و عندما نطقت أخيراً نطقت بآلكفر .. فواحسرتاه على العراق و العراقيين .. و آلويل لتلك المرجعية الفاقدة لكل إحساس إنساني نبيل من عذاب يوم عظيم , خصوصاً حين أصبحت عضداً للبعثيين و لمؤآمراتهم ضد خط الصدر العظيم وضد الدمار الذي أصاب العراق و العراقيين و حتى الأمة الأسلامية!
و اليوم و بعد ما تنفس العراقييون الصعداء و تبدل النظام البائد بعد 2003م و تنفس الناس بعض نسائم الحرية .. يبدو أن الأجواء لم تحلو لها كثيراً .. لهذا أفتتْ بضرورة القضاء على الحكومة المنتخبة( حكومة دولة القانون) و دعت الناس والكتل الأخرى بألتعاون مع البعثيين في (متحدون) و كما أوصى البعثي المدعو بشير النجفي الذي دافع عنه السيد السيستاني بسبب فتواه المخزية بوجوب تبديل المالكي و حرمة إنتخابه لولاية ثالثة, بينما هذا المُتبعّث ليس فقط لم يفتي ضد نظام صدام بكلمة واحدة خلال 40 عاماً؛ إنما تعاون مع البعثيين حتى آخر لحظة من السقوط, و المشتكى لله!
أتمنى منكم أيّها العراقيون أن تحتضنوا المرجعية الصّادقة السّليمة ألشّجاعة التي تملك قلباً إنسانيّاً نابضاً بآلحب و الأحساس و آلرّحمة و المتمثلة بآية الله العظمى و آلمرجع ألأعلى ألسّيد الخامنئي عن طريق ممثله في العراق آية الله ألشّيخ محمد مهدي الآصفي دام ظله .. فآلنّجاة و الخير في هذا الخط الذي وحده يمثل النيابة العامة للأمام الحجة على أرض الواقع, و الذلة و المسكنة و القبح في تلك الخطوط التي ساومت الظالمين و عادت المؤمنين و آلعلويين والدّولة الأسلاميّة المباركة التي تُدافع عن المظلومين في كل العالم, ولا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في مباحثنا السابقة بيّنا الفرق بين آلبشر(البشرية) و بين آلأنسان(الأنسانية) و بين آدم(ألآدميّة).
لمعرفة التفاصيل راجع: [ أسفارٌ في أسرار الوجود], و كذلك؛ [نظرية المعرفة الأنسانية