23 ديسمبر، 2024 12:10 م

شهادة عن إنسانية الراحل عبد الرحمن البزاز يرويها الصحفي خضر آل يوسف ألعبيدي

شهادة عن إنسانية الراحل عبد الرحمن البزاز يرويها الصحفي خضر آل يوسف ألعبيدي

الكلمات التي ترد في هذه المقالة ليست لا تتعلق بتاريخ عاشه كاتب المقالة ، وإنما هي من مذكرات الصحفي والسياسي المخضرم خضر آل يوسف ألعبيدي وهو من الشخصيات العراقية التي عاصرت الحكم الجمهوري وتبوأ مناصب سياسية وإعلامية مهمة وحسب على الاتحاد الاشتراكي العربي ومن الناصريين وهم أنصار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ولم تشوب مسيرته شائبة ، بل انه اعتقل ظلما وعدوانا ، وفي مفكرته الواقعية ستتعرفون عليه أكثر وفيها العديد من الحقائق التي من الممكن الاستدلال من خلالها على بعض أحداث المرحلة السياسية في ستينيات القرن الماضي وما يمكن الاستفادة من تجاربها في المرحلة الحالية ، فهناك مشكلات وأزمات ومواقف تبدو وكأنها موروثة أو مزمنة من الحقب الماضية وتتناقل عدواها جيلا بعد جيل ، نتمنى لكم متعة القراءة والاستفادة لما سيرد لأنها تمت صياغتها بتعابير وطنية ومهنية بعيدة كل البعد عن الغايات الشخصية ، ولان المقالة صيغت بلغة المتحدث فان المتحدث هنا هو صاحب القضية والأحداث الصحفي خضر آل يوسف ألعبيدي :
لم أكن يوما أفكر بأنني سألتقي بالراحل الدكتور عبد الرحمن البزاز في زنزانته لكنه وكما يبدو كأنه توقيت قدري أملاه علينا ظرف صعب في حقبة مريرة للأسف الشديد ، ليجعلنا نلتقي بعد أحداث عصفت بنا جميعاً في منعطف يلفه الغموض وتتحكم به الظروف القاهرة ، ولكي ألوج لموضوعنا مباشرة فلابد من أن أوضح بأنني كنت على صلة جيدة بالراحل البزاز بحكم صلتي بالمغفور له الرئيس السابق عبد الرحمن محمد عارف لاسيما بعد تسنمه الحكم على أثر وفاة شقيقه المرحوم عبد السلام عارف في حادثة المروحية ودعوته للرموز الوطنية والقومية المعروفة بأصالتها ومواقفها النضالية وإخلاصها للوطن والشعب العراقي العظيم لتبادل الرأي ، وكنت واحدا من مائة من الرموز المنتقاة الذين أوكل إليهم مهمة وضع خطوطه ألأساسية لتطوير الحكم وتحديث مفاهيم برامجه وتنظيراته وخطوطه البيانية وملامحه الديمقراطية والتي من ولولياتها إقامة تنظيم شعبي يؤسس للخطوة الأولى من اجل اعتماد التعددية والانتخابات والحياة البرلمانية وإطلاق الحريات العامة وفتح الحوارات الجادة مع كافة الأطراف الوطنية للانضمام إلى العملية السياسية وإشاعة هامش من الثقة خطوة خطوة من اجل لململة الصفوف الوطنية والانتقال إلى حالة ممارسة الحريات العامة والتي تتيح للجميع فرص متساوية ضمن عمل وطني كبير يتم الانتقال إليه بشكل تدريجي وعن طريق الحوارات الوطنية الموسعة المبنية على النيات الصادقة والإخلاص للشعب والوطن ، ولكن الحركة الانقلابية التي قام بها عميد الجو عارف عبد الرزاق أبطأت الخطوة بعض الشيء إلى أن تمكن الرئيس عارف حوالي الساعة التاسعة مساءً من إعلان بشرى القضاء على المؤامرة واعتقال قائدها في الموصل مع أربعة من الانقلابيين ، وفي حينها أعلن كل من عبد الرحمن عارف والدكتور عبد الرحمن البزاز بيانيين أعلنا فيهما انتهاء حركة التمرد والقضاء عليها وعلى رأسهم عارف عبد الرزاق حثاً فيه الشعب على التواصل بشكل حثيث لرص الصفوف الوطنية .
كما أعلن الرئيس عارف القبض على بقية الانقلابيين وفي مقدمتهم يونس محضر باش وعارف عبد الرزاق من قبل العقيد عبد الكريم فيصل معاون قائد الفرقة الرابعة بأوامر عبد الرحمن عارف وحينها بدأت البرقيات تنهال على الرئيس عارف ، فيما أعلن راديو بغداد بيانا بإسم رئيس الوزراء الدكتور عبد الرحمن البزاز بمنع التجول في بغداد وضواحيها ، وكان عارف عبد الرزاق قد قام قبل ذلك بحركة انقلابية ضد المشير عبد السلام عارف وتم القبض عليه أيضا وبعد وفاة عبد السلام بادر عبد الرحمن عارف بإطلاق سراح الضباط الصغار وأصدر عفواً عن الآخرين ، يذكر إن عبد الرحمن عارف قد تعرض إلى محاولة اغتيال محكمة من قبل جنود يلبسون الملابس العسكرية تظاهروا بالولاء له ثم أطلقوا النار عليه في محطة إذاعة بغداد أثناء توجهه لإذاعة بيان القضاء على المحاولة الانقلابية ، وأكد البزاز حينها إن الشعب والجيش لم يستجيبوا للانقلابين وان المحلولة أحبطت وان المتآمرين لم يقوموا بالمحاولة كما زعموا من اجل العراق بل من اجل أنانيتهم ومصالحهم لذلك وصفت اللقاء المفاجئ مع الدكتور البزاز بأنه قدري ومفاجئ بعد أن عشنا جميعا الكثير من الأحداث الصاخبة ومررنا بظروف قاسية محرجة.
التغيير الجديد أسهم فيه الأكراد
وعلى أثر ما حدث وبعد القضاء على المحاولة الانقلابية أجرى كما قلت سابقاً الرئيس عبد الرحمن عارف اتصالات واسعة النطاق بالشخصيات الوطنية من اجل إعادة رسم المستقبل العراقي والقيام بحركة تغيير أساسية تم فيها قبول استقالة الدكتور عبد الرحمن البزاز من منصبه وتشكيل حكومة جديدة وضعت على عاتقها بناء صروح جديدة للدولة وإقامة تنظيم شعبي جديد ، وقد حضرت الاجتماع التحضيري لتشكيل هذا التنظيم شخصيات كردية مرموقة من بينها” السيد جلال الطالباني” الذي حضر بصحبة السيد غربي الحاج احمد والدكتور عبد الرزاق محي الدين وطاهر يحيى وشهد عملية انتخاب اللجنة العليا للتنظيم الذي أطلق عليه اسم “الاتحاد الاشتراكي” والذي كنت احد أعضائه وخلال عملية توزيع المهام الرئيسية أسندت لي مهمة الإشراف على الإعلام وعلى برامج الإذاعة والتلفزيون و الإشراف على جريدة” الثورة العربية” الناطقة بإسم التنظيم كما تمت الموافقة على استحداث برنامج تلفزيوني باسم ” حوار مفتوح” ، حيث توليت مهمة إعداد حلقاته وتقديمها بأسلوب عصري جديد ، وقد لاقى البرنامج ترحيبا واسعا من قبل المواطنين لجرأته وصراحته ومعالجته الجدية ، وقد أبدى الرئيس عبد الرحمن عارف رغبته في زيارة كردستان والالتقاء بعدد من قادة الحركة الكردية حيث لاقت زيارته ترحيباً واسعا واصداءا كبيرة حينما أعلن عن إصراره على الانفتاح التام مع الإخوة الكرد والتجاذب معهم والتعاون في كافة المجالات مواصلاً بذلك ما بدأه الدكتور البزاز ومجدداً العهد بأن يستمر هذا النهج بشكل متواصل حتى تحقيق كامل الأهداف الوطنية الملحة والهامة.
عودة إلى الدكتور البزاز
وفي الليلتين الأوليتين التي قضيتها في الزنزانة رقم(1) في قصر النهاية ، أوضح لي الدكتور البزاز كل خطواته الوطنية وشرح الصعوبات التي لاقته وأكد بان هناك من اتهمه بأنه فرط بحقوق العراق والعراقيين من خلال توقيعه وثيقة الحقوق الكردية وقالوا له انك تسرعت بالاتفاق مع الملا الذي كان سيموت وتحل المشكلة من دون التزامات وأكد لي بأن المشكلة الكردية كانت أهم مشكلة في التاريخ العراقي بل وأقدم مشكلة ظلت من دون حل لذلك صمم على حلها وإنصاف الأكراد الذين هم شركاء الوطن والذين تتهم الدعايات بأنهم انفصاليون وأصحاب نزعة شوفونية ويريدون تأسيس دولة ، وأكد بأن الملا كان يحمل نفساً عراقية لذلك لم يؤيد الانفصال ولا يريد إلا الحقوق القومية والإنصاف ولذلك أنصفت الأكراد وكانت حركة عارف عبد الرزاق هي الرد على إعطاء الأكراد حقوقهم رغم أنهم أعلنوا في بيان لهم إنهم سيلتزمون بالبرنامج الذي أعلنه وبسياسة الحكومة ، وأكد البزاز انه حينما أعطى الأكراد حقوقهم كان أكراد إيران وتركيا وسوريا يحسدون أكراد العراق وأكد بان التعدد القومي لا يستدرجنا إلى تقسيم العراق ونحن لن نسمح بذلك لأننا كنا نعلم أن الأكراد طيبون وبسطاء وليس لديهم طموح انفصالي ، وأكد بأن كل ما فعلناه إننا ساوينا ما بين الجميع في ظل وطن واحد ودولة واحدة مشتركة ، كما أكد بأنه كان قد شرع فعلاً بإعادة الحياة المدنية في أنحاء العراق
وفرض سيادة القانون وشرع الدستور الدائم الذي يشكل اكبر ضمانة للأكراد لتأمين مستقبلهم الزاهر ولكي يعيشوا حياة طبيعية مع أخوانهم الآخرين من القوميات الأخرى ، كما انه عمل على تجريد المقاتلين كافة من السلاح وان يصبح الجميع أخوة متحابين في وطن يتسع للجميع كما شرع بأعمار كافة المصايف الشمالية واصدر العفو العام وخصص ميزانية لكردستان .
كان من المعجبين ببرنامجي التلفزيوني
وأكد الدكتور البزاز بأنه كان معجباً ببرنامجي التلفزيوني ” حوار مفتوح” الذي كان بنفس ديمقراطي وكذلك بما كانت تكتبه جريدة الثورة العربية من المواضيع الهادفة التي تهدف إلى التواصل في النهج الديمقراطي الأصيل ، وهنا سألني عن التهمة الموجهة لي التي أتت بي إلى هذا المكان فأخبرته لم اعرف لحد الآن لماذا أنا هنا بعد أن أخبرت بأنني سأكون ضمن وفد صحفي يسافر إلى الاتحاد السوفيتي ووجدت نفسي في هذه الزنزانة ، وفي ذات الليلة التي بقينا فيها إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تتبادل الأحاديث وفجأة فتحت باب الزنزانة الساعة الثانية صباحا ودخل إليها ثلاثة من الحراس طلبوا مني النهوض بصمت حيث اصطحبوني إلى ” القصر الثاني” الذي يشرف عليه “مدير الأمن” المعروف بـ( أبو حرب) وأسمه ( ناظم كزار) والذي بيني وبينه ذيول مشكلة عابرة منذ أن كنا في الثانوية ندرس للتحضير للامتحانات في الحدائق العامة وكنا خلال الفسح نلعب ” كرة القدم” فشاءت الصدف أن يسدد أحد زملائي الكرة فارتطمت ” بناظم كزار” الذي راح يوجه لنا الشتائم البذيئة وحينما حاولت الاعتذار منه بالنيابة عن زميلي الذي لم يكن يقصده وجه لي لكمة لكنني تحاشيتها ووجهت إليه لكمة مقابلة إلى انفه الذي بدأ بالنزف الشديد فأصطحبه الزملاء إلى مستشفى الطوارئ في شارع الشيخ عمر الذي كان قريب من المكان الذي ندرس فيه وعالجوه وانتهى الأمر ، وبعد أن أصبح ناظم كزار مديراً للأمن زار بيت شقيقته في منطقة أسكان غربي بغداد والمقابل لبيت والدي فشاهدني اخرج من البيت ، وفي اليوم الثاني تم القبض علي في شارع 14 رمضان المنطقة المقابلة لثانوية الصناعة في الوشاش من قبل عناصر تستقل سيارتين نوع مرسيدس سوداء ، فسألوني أنت فلان الفلاني قلت لهم نعم ، قالوا لقد ذهبنا إلى بيتك فأخبرونا بأنك خرجت باتجاه ثانوية الصناعة فلحقنا بك من أجل أمر مستعجل ، قلت لهم ما هو الأمر المستعجل ؟ قالوا لقد تم اختيارك ضمن وفد صحفي إلى الاتحاد السوفيتي فجئنا نأخذك من أجل التنسيق مع المسؤولين عن السفرة ثم نقودك لبيتك لتتدبر تحضير حقيبة للسفر بشكل سريع ثم فتحوا لي الباب الخلفية وبعد مسافة قصيرة وعند وصولنا إلى شارع المطار الخلفي توقفوا وفتحوا صندوق السيارة الخلفي ورموني فيه وها أنا بينكم ضيفا وهنا اطرق الدكتور البزاز رأسه مليا وقال ” الله الستار”
متهم بالتآمر على الثورة
وحينما وصلنا إلى ” القصر الثاني” أوقفني الحرس أمام قاعة ودخلوا ثم أدخلوني إلى القاعة ففوجئت بعشرات ( البلوجكترات) الشديدة الضياء والوهج موجهة باتجاهي بحيث لم أتمكن من رؤية احد أمامي وهنا سألني احد الأشخاص أنت فلان قلت له نعم ، قال لي هل لازلت تلعب كرة القدم ؟ تعجبت لهذا السؤال وقلت كلا ، وسكت وهنا استذكرت ببديهية سريعة قضية “ناظم كزار” وعرفت عندها بأنني سوف لن اخرج من القاعة سليما ، قال محدثي هل تعرف شيء عن ” التنظيم الشعبي” قلت له أي تنظيم قال لي : الذي تزعمته و تتولى فيه إدارة الاجتماعات السرية قلت له لا اعرف عم تتحدث..؟ فأجابني على الفور ، أصحابك في التنظيم ضيوف لدينا واخذ يردد بعض الأسماء ثم قال ما رأيك هل تريد أن نجلبهم لكي يعترفوا عليك؟ قلت له هؤلاء زملاء وأصدقاء لي وليس لدينا أي تنظيم؟ قال و ما هي علاقتك بجمال عبد الناصر؟ قلت له: ليس لي علاقة بالرجل قال.. انك رأس التآمر ضد الحكم وتقول لا علاقة لي .. ثم أمر حراسه بطرحي على الأرض فطرحوني أرضاً وربطوا أقدامي ويداي وشرعوا يضربونني بكيبلات محشوة بالأسلاك على أقدامي ثم يبتعدون عني ، وناظم كزار يكرر علي سؤاله مرة و مرتين إلى أن أدموها ففقدت الوعي ، على وجهي وبعد أن أفقت بدأ يوجه لي أسئلة مشابهة وهم يضربوني أكثر فأكثر إلى أن فقدت وعي تماماً ، ووجدت نفسي أرمى في الزنزانة رقم ( 1 ) ببطانية ثم أقفلوا الزنزانة بعد أن تركوني في جثة هامدة ، فأسرع الدكتور عبد الرحمن البزاز والنزلاء الآخرون في الزنزانة ( إسماعيل شاهين) الملقب ” أبو معتز” وهو تاجر من أهالي الموصل ، والمدعو( قادر عبد الله) وهو مواطن كردي من أهالي ” قلعة دزه” وبدأوا يجسون نبضي للتأكد من وجود نبض عندي أم لا وعندها سارع الدكتور البزاز ومن معه لإعداد فراش لي وتغطيتي بالبطانيات للحفاظ على حرارة جسمي ، وعندما حاول( قادر عبد الله) أن يسقيني بعض الماء منعه الدكتور البزاز وأكد له مخاطبا إن ذلك سيقتله وبدأ بتبليل قطعة قماش صغيرة بالماء واخذ يرطب بها شفتي وأنا اصرخ من شدة الألم ومن الحرارة التي كانت تخرج من أقدامي إلى أن أشرقت الشمس وجاء الحراس الذين فوجئوا بحسب زعمهم ، ثم بدأ الموقوفون في معتقل ( المشتل) يتقاطرون على الزنزانة في فترة خروجهم إلى المغاسل ومنهم ( إبراهيم فيصل الأنصاري ومدحت الحاج سري وعبد الرحيم الفيلي وإبراهيم الزويني والشيخ خريبط أبو ريشة وفوزي ألجميلي وثابت الالوسي واحمد أبو الجبن ) وآخرون لم أعرفهم ممن تعاطفوا معي وحزنوا لما ألم بي وحينما زار الزنزانة احد ضباط الموقف سألني عمن عذبني وآذاني فأجبته بأنني لا اعرف وسألته هل أنت تعرفه ؟ وعندها طلب منه الدكتور البزاز سرعة معالجتي وإلا فأن الخطورة قد تؤدي إلى الوفاة فلم يستجيب لا هو ولا غيره ، وهنا كتب الدكتور البزاز قائمة طلبات من عائلته تشمل أدوية وعصائر وفواكه وأرسلها بيد المراسل المخصص له حيث كانوا يسمحوا له بطلب كل ما يريده من الأدوية والطعام بصفته ” رئيس وزراء سابق” ووصلت الطلبية بنفس اليوم و المواد المطلوبة فبادر الدكتور البزاز بزرقي ببعض الإبر وأعطاني بعض المضادات الحيوية كما بدأ بإطعامي لمدة تقارب الشهر قبل أن نفترق حيث تم نقلنا من موقف” المشتل” إلى موقف “الحديقة” بعد أن امتلأت مواقف” القصر الأول” و “القصر الثاني” بالمعتقلين الأكراد الذين ضجت بهم الزنزانات ، وخلال ذلك بدأ المسئول عن القصر الأول بتفتيش الموقف الذي نقلنا إليه وتوجيه الأسئلة للموقوفين عن أحوالهم وعندما اطلعوا على حالتي وورم أقدامي وسيقاني وعدم تمكن من الوقوف أو المشي أمروا بنقلي إلى مستشفى اليرموك لإجراء عملية إخراج الدماء الفاسدة لكي لا أصاب بالكنكري فاصطحبني حراس” القصر الأول” إلى مستشفى الكرامة التي امتنع الأطباء عن معالجتي خوفا من ” وفاتي” ولكن الضابط المسؤول أقنعهم بأجراء عملية سحب الدم الفساد والقيح على مسؤوليته الخاصة ، فأحضروا ” تنكة” كبيرة ووضعوها أسفل قدماي وبدأوا بفتح فتحات في أقدامي بمشارط من دون أي مخدر أو بنج وأنا اصرخ من الألم المميت فيما كانت الدماء تخرج من أقدامي وهي تشبه مادة الدبس المخلوط باللبن ببطء كاد ينهي حياتي ويقتلني ، وبعدها زرقي ببعض المضادات وتضميد الجروح المشروطة نقلوني بكرسي متحرك وبعدها إلى السيارة التي جلبوني بها ثم إلى موقف “الحديقة” الذي زاره صدفة عدد من المسؤولين لتسجيل ملاحظات وأمور الموقوفين فتعرف علي احدهم بعد أن استغرب وصعق بوجودي في الموقف وعندها سألني عمن جاء بي إلى الموقف فقصصت له قصتي فطلب آمر الموقف ثم قال له بالنص هل تعرف هذا الشخص فأجابه قائلا موقوف ، فقال هذا الشخص أقدم صحفي ومن الساسة المعروفين فمن جلبه ومن عذبه فأجابه قائلا سيدي أبو حرب ، فأمره بأن يذهب إلى الآمرية ويطلب جلب طبيبان لمعالجتي على الفور وان يخرجوني من الزنزانة يوميا للتشمس وان يوفروا لي كافة طلباتي ، وبعد يومين كرر هذا الشخص زيارتي وأكد بأنه أوصل قضيتي إلى الجهات العليا وشرح لهم حالتي المؤسفة فامتعضوا من تصرفات أبو حرب وقرروا إطلاق سراحي فورا ولكن بعد شفائي ، وأكد بأنهم بحثوا عن ملفي الخاص فلم يعثروا على شيء وان الأمر يبدو وكأنه انتقام محبوك ومدبر ، وبعد معاناة لمدة سنة وشهرين وعذابات وآلام مريرة سمحوا لي بالتحدث إلى عائلتي ولطلب ما أريده منهم، واخبروني بأنهم سيطلقون سراحي ولكنهم يرجونني
بأن اخبر عائلتي بأن لا تثير أية شوشرة وان يكون رجوعي إليهم طبيعيا ، وهكذا تم إرجاعي إلى بيتي بعد تكميم فمي لكي اسكت طوعا ، وقبل خروجي من الاعتقال علمت من بعض الموقوفين بأن الدكتور عبد الرحمن البزاز وجماعته قد أحيلوا إلى المحكمة وتم إصدار الأحكام ضدهم لكنني لم أتمكن من معرفة التفاصيل الأخرى بسبب عدم وجود مصدر ناقل قريب من الدكتور البزاز ثم علمت بعد خروجي من الاعتقال بسنوات بأنه قد توفي بعد معاناة من المرض .