18 ديسمبر، 2024 10:15 م

شهادة عراقي مقيم في سرت – 4

شهادة عراقي مقيم في سرت – 4

في وسط الصحراء وعلى مقربة من قرية بوهادي وفي بيت منفرد غايةً في التواضع و دون حرس أو حاشية يقيم (علي طلاق) ،والطريق المؤدي إلى منزله وعرة وغير معبدة ولمن لا يعرفه فالرجل سبق و أن  تبوء عدة مناصب ومهام في آن واحد من أهمها كان انه مسؤول العقود الخارجية لمشاريع النهر الصناعي والمسؤول عن متابعة الأعمال التنفيذية خاصة تلك الجارية في خزان القرضابية والذي يغذي مدينة سرت بالمياه و (طلاق) بالطبع من المقربين من القذافي وعندما كان الأخير يزور سرت فأن (طلاق) أول من يعلم بذلك وهو من يذهب إلى مشارف سرت لاستقباله ويتولى قيادة سيارته و يرافقه في كل لقاءاته و جولاته والمعروف عن (طلاق) جديته المفرطه وعدم مجاملته لأحد و يتحاشاه حتى الليبين ، يفر من أمامه المهندسين الأجانب عندما كان يقوم بزيارة مقرات  الشركات أو مواقع العمل، و هو لا يأبه بأحد ، لا يتكلم كثيراً ،مكتبه متواضع جداً مكون من غرفة واحدة لا يوجد فيها سوى طاولة المكتب و كرسي واحد لجلوسه ،لا يحضر إلى مكتبه سوى من يطلبهم هو لمقابلته و أغلبهم من مدراء الشركات الأجنبية العاملة في مشاريع النهر الصناعي و للأمانه فهو لا يبقى جالساً عندما يدخل زائر إلى غرفته بل يقف كما يقف الزائر، ذات يوم سألته لماذا لا تضع كراسي في غرفتك لجلوس الزائرين؟ ، الا تعتقد بأن ذلك ينطوي على أهانه و كبر أتجاه الآخرين فرد بهدوء قائلا : (لا بالعكس أنا ربما أحترم بعض هؤلاء الواقفين أكثر من أولئك الذين  أضطر إلى الجلوس معهم في أماكن أخرى) ، و كان شديد الإعجاب بالألمان والعراقيين فهو يرى إنهم أكثر الشعوب جديه و كفاءة و إخلاص في العمل ،كان لا يهاب احد سوى القذافي ، ذات مرة قام بطرد و إهانة أمريكي يعمل مديراً لشركة من بنما منفذة لأهم الأعمال في النهر الصناعي و ترتب على ذلك أزمة دبلوماسية.و ذات يوم حدثني أحد المهندسين العراقيين العاملين في أحد الشركات الأجنبية العاملة في النهر الصناعي و قال لي بأن(طلاق) قام بإهانته و ضربه بعصا يحملها بيده و لم يكن الرجل يعلم بأن لدي معرفه بـ (طلاق) و في اليوم التالي تحدثت مع(طلاق) معاتباً فذكر لي انه كان في جولة تفقدية في أحد مواقع العمل وتحدث مع هذا المهندس بالصدفة فرد عليه وهو يمضغ المستكه (العلك) فطلب (طلاق) منه أن يخرج العلكه من فمه فليس من اللائق أن يتحدث مع الآخرين بهذة الطريقة فقام المهندس مرتبكا برمي العلكة في خليط الايبوكسي ( المادة اللاصقة التي تستخدم في تبطين أرضية و جدران الخزان ) ، علماً إن دخول مواد غريبة في الخليط من المحتمل أن يفسد الخزان الآمر الذي أثار غضبه. قد يكون (طلاق) مختلفا لكن يجمع الكثيرين من الليبين على إخلاصه لبلده و نزاهته.و على ذكر النهر الصناعي فان  الليبين يختلفون في تقيمهم له فهناك من يعتبره  أضخم مشروع عرفه الإنسان حتى الآن لنقل المياه في العالم أنقذ البلاد و الناس من كارثة عطش محققة ، مشروع واعد يحيل الصحراء الليبية إلى أرض خضراء تشبه تماما العلم الليبي ويصفه البعض  بالعظيم أو ثامنة عجائب الدنيا  و المعلوم أن ليبيا صحراوية ولا توجد فيها أنـهار ولا بحيرات مائية وعانت من مشاكل جمّة في نقص المياه وكانت الآبار الجوفية للمياه العذبة  في المناطق الساحلية كبريتية و ملوثة ،لا شك انه مشروع جريء وضخم في كل شي حيث بلغت الميزانية التقديرية الإجمالية للمشروع حوالي سبعة وعشرين بليون دولار، أما الميزانية الحقيقة فلم يعلن عنها أبداً،و بالمناسبة فان المشروع لم يكتمل لحد الآن  وكان مخطط له  تغذيته  في المستقبل برافدين آخرين الأول قادم من واحة غدامس والأخر من واحة الجغبوب كذلك تغذيته  من بعض أنهار القارة الأفريقية.و بدأت قصة النهر الصناعي مع العام 1953 حين إكتشفت شركات التنقيب الغربية في مناطق الجنوب الشرقي و الجنوب الغربي مخزون هائل من المياه الجوفية النقية و اعتمدت فكرة المشروع على حفر مائتين وسبعين بئراً على أعماق مئات الأمتار لنقل المياه الجوفية من الخزانات الطبيعية الموجودة في واحات الكفرة و السرير وتازربو إلى الساحل، وضخها عبر خطوط أنابيب طويلة تمتد من واحة الكفرة في الجنوب الشرقي وواحة تازربو وواحة السرير وحتى تصل إلى مدينة بنغازي وسرت وطرابلس لغرض الاستفادة منها في الشرب والزراعة، و لتكوين فكرة عن حجم المشروع و ضخامته أود ان أورد المعلومات الفنية التالية:
1. كمية الاسمنت المستخدمة في تصنيع الأنابيب بلغت نحو (5 ملايين طن ) بما يكفى لتعبيد طريق خرسانة من مدينة سرت في ليبيا إلى مدينة بومباي في الهند.
2. عدد الآبار التي ثم حفرها بلغ  (1300 بئر) تضخ ما مقداره (6 ملايين ونصف متر مكعب )
3. يفوق مجموع أعماق أبار المياه التي ثم حفرها في الصحراء بمشروع النهر الصناعي ما يزيد (عن قمة أفيرست بسبعين مرة ).
4. طول أسلاك الفولاذ سابقة الإجهاد المستخدمة في تصنيع الأنابيب ما يكفي للالتفاف حول ( الكرة الأرضية 280 مرة ).
5. ناتج الحفر في المشروع يكفي لإنشاء (20 هرما ) بحجم خوفو الأكبر .
6. يبلغ طول منظومة نقل الأنابيب (3500 كيلو متر مربع ) و هي تعادل مساحة (غرب أوروبا )
و مع كل ما قدمه النهر الصناعي من خدمات فهناك من ينظر إليه كما لو انه كارثة على البيئة و الطبيعة وهدر كبيرو غير محسوب  للأموال الليبية و إفراغ للمياه الجوفية و سوف يؤدي  في المستقبل إلى تزعزع الطبقات الأرضية و بالتالي حدوث الزلازل والانزلاقات كما يتداول البعض بان النهر بدأ يعاني من مشكلات بعد حوالي عشر سنوات من بداية تشغيله فبعض الخزانات تلوثت، وبعض الأنابيب تكسرت وتشققت، وأصبحت المياه غير صالحة للشرب كما ان هناك من يقول ان بعض  مضخات المياه تعرضت للصدأ مع ان المناصرين للمشروع يؤكدون بأن مشكلات من هذا النوع ممكنة الحدوث و مسيطر عليها و إن أي مشروع هندسي بهذه الضخامة يمكن أن يواجه هذه المشكلات ، فالأمريكان مثلا استخدموا مكوك الفضاء تشالنجر لمدة خمس سنوات، ثم انفجر في أثناء إحدى الرحلات وان لم يكن القذافي ينفذ مشروع النهر الصناعي فما البديل إذن و هل يتم الاعتماد على محطات تحلية مياه البحر أم يتم استيراد قناني المياه العذبة من أوربا و إن حدث ذلك ماذا عن سقي الأراضي الزراعية .
للحديث بقية …..