لم يكن بالمفاجئ ، اقدام نظام الحكم السعودي على جريمة اعدام الشيخ محمد باقر النمر ، تغمده الله بواسع رحمته مع الشهداء والصديقين وحسن اولئك رفيقا ، فان هذا النظام منذ استيلائه على جزيرة العرب ، قد اوغل في ارتكاب الجرائم ، واسكت كل الاصوات التي سعت الى اماطت اللثام عن وجهه، لتعريه وتظهر حقيقته البشعة امام الملأ ، فالذي يتابع سيرة هذا الشيخ الثائر ، انما يستحضر ملامح اؤلئك الثوار الذي ارعبوا جلاديهم ، فكان اجهاز الجلادين عليهم ليس دليل قوة ، انما هو دليل ضعف امام قوة لا تقيدها قيود الجلادين ، ولا تحد منها جدران الزنزانات ، من امثال الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه ، الذي ارعب الطغاة يوم صرخ باعلى صوته لقد صممت على الشهادة ، والشهيد السعيد محمد محمد صادق الصدر رضوان الله عليه ، الذي ارعبهم يوم ارتدى كفنه ، وغيرهما من شهداء الامة الكبار ، اما الشهيد السعيد الشيخ محمد باقر النمر رضوان الله عليه ، فقد ارعب طغاة ال سعود يوم قال : اما ان نعيش احرارا على الارض او نموت ابرارا في باطنها ، فطوبى للشهداء وهم يقارعون الطغاة ، وينازلون الموت صابرين محتسبين يغمضون اعينهم على الاخرى ، علّها تكون لنا نحن الباقين وراءهم ، ننتظر قطاف ثمار جهادهم ، الاخرى التي وعد جل جلاله بها الذين يجاهدون في سبيله ، بقوله تعالى من سورة الصف {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} ، فهم الاحياء بشهادة قوله تعالى ، من سورة آل عمران { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ، الذي احيوا بشهادتهم نفوسا كادت تذهب حسرة ، وظمائر كادت تموت غيلة ، فسلام على الشهداء يوم ولدوا ويوم استشهدوا ، ويوم يبعثون ، وانزل الله تعالى بقاتليهم عذابه الذي نص عليه قوله من سورة النساء {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} ، ولكن ما يستوقفني في جريمة اعدام الشيخ الشهيد محمد باقر النمر ، جملة امور ، منها :
الاول ان الشيخ النمر اعدم مع ستة واربعين مدانا ، اما بالحرابة او التعزير على وفق بيان الداخلية السعودية ، وبالخصوص كان احد المحكومين مع الشيخ النمر ، هو احد منظري تنظيم القاعدة ، فالصورة توحي الى اعدام فقيهين ، فقيه جعفري ، وفقيه قاعدي ، اي ان نظام ال سعود كان يحرص على المساواة بين الشيخ النمر ، الذي عرف بكونه صاحب راي لم تخرج اساليب معارضته عن المطالبة بالحقوق المغتصبة لقطاع واسع من شعب الجزيرة ، ولم ينل برايه ايا من فئات شعب الجزيرة ، بل لم يتكلم كاحد مشايخ الشيعة ، وانما تكلم كمواطن سعودي ، يرى في آل سعود عصابة تصادر ارادة الشعب وتسلبه حقه ، فاعلن عدم اعترافه بالبيعة الصورية ، التي درج ملوك آل سعود على اخذها من الناس بالقوة ، كلما هلك احدهم وتولى اخر الحكم بعده ، مثلكم في ذلك مثل سلفهم غير الصالح من الامويين والعباسيين والعثمانيين، الذي عاثوا فسادا بالاسس التي وضعها سلف الامة الصالح من الراشدين ، فهو لم يهدد امن دولة الجزيرة العربية ، التي زيف ال سعود تسميتها بالدولة السعودية ، وانما هدد امن نظام حكم آل سعود ، ولم يفت بقتل احد بسبب دينه او مذهبه ، كما هو شان تنظيم القاعدة ومنظريه ، وبالخصوص جناح الظواهري الطائفي المتشدد ، الذي تسلم مقاليد الامور بعد قتل الامريكان لاسامة بن لادن الذي لم تسمع له فتوى بتكفير احد غير الحكام المستبدين ، ومنهم ال سعود ، وهذا ما يثبت كدليل على الدور الامريكي المشبوه في استيلاد التنظيمات المتطرفة التي تكفر الامة بغية اذكاء نار طائفية ستحرق بلاد المسلمين ، ولن يخرج احد رابحا منها سوى الصهاينة وحلفائهم من الحكام المستبدين ، فقضية الشيخ الشهيد نمر النمر هي قضية راي تميط اللثام عن بيعة زائفة ، وليس قضية ارهاب تمارسه قاعدة الظواهري في اعمال عنف وتفجير ، ولا هي بالقضية الطائفية ذات الطابع المذهبي ، وعلى الامة ان تعي هذا ، لانه خلط للمفاهيم بطريقة غاية في الخبث والمكر ،
اما الموضوع الثاني فهو موقف ايراني متسرع لا يخلو من اهداف اقليمية ، سعى الى تحويل قضية الشيخ الشهيد النمر من قضية داخلية متعلقة بشعب الجزيرة العربية ، وتطلعه الى حكم عادل ، يقوم على اسس الاسلام في انصاف الناس ، الى قضية صراع محاور بين قوتين اقليميتين ، فالواضح لدى عامة الناس ناهيك عن خاصتهم ، ان ثمة صراع نفوذ اقليمي سعودي ايراني مستعر وظفت فيه كل ما في حوزة الدولتين من الاوراق ، للاسف ، ممزوجا بغصة الم شديد ، كانت قضية الشيخ النمر العادلة المتمحورة حول مطالب شعبية حقيقية وواضحة ، قد ذهبت في عصف ذلك الصراع الاقليمي ، ما عجل من حسم نهاياتها بالشكل الماساوي ، الذي اراده حكام ال سعود رسالة تعبر عن رفضهم لاي توسع للنفوذ الايراني ، فحكام آل سعود يسبغون على جريمتهم ، قتل الشيخ النمر ، صبغة دينية على انها دفاع عن السنة والجماعة ، لتوظيفها طائفيا في خدمة مشروعهم الذي هو البقاء في الحكم لا غير ، والايرانييون يوظفون في الاتجاه الاخر ، والخاسر شعب الجزيرة العربية وبالخصوص اهل المنطقة الشرقية ، فقد خسروا شيخا فقيها شجاعا لن يتاخر عن قول كلمة الحق بوجه سلطان الجزيرة العربية الجائرة .
اما الامر الثالث والذي اراني اجد حكام ال سعود قد نجحوا فيه ، فان الجريمة قد استنكرت من الشيعة فقط ، باستثناء دار الافتاء العراقية ، التي عبرت ، بشجبها للجريمة ، عن موقف اسلامي مسؤول ، ينم عن صدق الانتماء للاسلام ، وتفهم حقيقة ما جرى بوعي وحكمة ، وكذلك بيان الاستنكار الذي اصدره اتحاد علماء المسلمين في العراق ، فقد سوق ال سعود الذين وصفت سلطاتهم القضائية الحكم بالتعزير ، سوقوا الحكم ولو بطريقة غير مباشرة ، على انه تعزير لشيخ شيعي ، ساعدهم في ذلك الموقف الايراني الذي جهد منذ اول يوم اعتقل فيه الشيخ على توظيف القضية في سياق مشروع اقليمي ، لم يكن للشيخ الشهيد النمر من ناقة فيه ولا جمل ، انما هو ثائر استلهم من كربلاء ، ليس بالمعنى الطائفي الضيق ، الذي يجهد ذوو العقول الصغيرة او الملوثة في تسويقه ، بل بالمعنى الاسلامي العام الذي يهتدي بالسنة الشريفة لرسول الله (ص) التي تقول افضل الجهاد كلمة حق امام سلطان جائر ، فكلمة الحق التي اطلقها الشيخ الشهيد محمد باقر النمر رحمه الله تعالى في وجه سلطة ال سعود الجائرة ، هي من تلك الكلمة الكبيرة التي اطلقها الامام الحسين (ع) في كربلاء بوجه سلطة يزيد الجائرة ، فهي كلمة تنتمي للاسلام ، وتهتدي بهداه ، وتذهب في اتجاه اعلاء كلمته ، وليست كلمة تصرف في مصارف النفوذ الاقليمي .