21 مايو، 2024 6:08 ص
Search
Close this search box.

شهادات، زادت من تخلفنا تخلف

Facebook
Twitter
LinkedIn

ان تصبو عين المرء الى مقعد دراسي في جامعة عراقية او اوروبية مرموقة، فذلك شيء عظيم تؤسسه الرغبة في التحصيل الاكاديمي، اما وان يقتعد ذلك الكرسي طالباً او باحثاً، ومن ثم يستحصل على ورقة الائتمان الاجتماعي التي يسمونها في عراقنا، شهادات الدكتوراه دون ان تضيف الى رؤيته الحياتية، او ان تمتن مداركه ووعيه، فذلك امر يدعو الى الدهشة والاستغراب.

تيسير لي بحكم عملي ان التقي ببعض من هؤلاء (الدكاترة) ولاسيما اؤلئك القادمين من جامعات اوروبية، بعد ان بحثوا عن تلك الورقة التي علقوها على احد جدران منازلهم. وما ان يجمعني واحدهم حوار ما، في الفكر او الادب حتى اكتشف جهلاً مطبقاً وافكاراً غريبة لا يجمعها جامع ولم يفتِ بها سلطان.

يبتعث البعض من عراقنا الى بلاد اجنبية ، محملاً باسرار غريبة، تتفتت في الذاكرة، فليس ثمة من كتاب يقرأـ ، وليس ثمة من بحث يستطيع، وليس ثمة من رؤية ما، أية رؤية، وفي اي موضوع، فتتأسف لحاله اللاهث في دروب تلك البلدان ، فلا استوقفته الينابيع، وهو الظامئ الى مائها، ولا استعاض عن نهمه الغرائزي بفهم المعارف والعلوم، فاذا به في آخر المطاف، علّة اخرى تنضاف الى العلل، وفقاعة تكبر في ذهنه، حتى يستحيل الى مخرب من نوع غريب، حين تحط به رحال العمر، استاذاً في جامعة، او مسؤولاً عن قسم ما، وكأن أقصى غايات هذه الجامعات ( الاوربية ) ، ان تمنح هذا السيل الهائل من طلبة عراقنا وبقية البلدان التي على شاكلتيه. هذه الاوراق الائتمانية، لكي يعودوا الى بلدانهم، وهم منفوخون دونما لحم، ومستأسدون دونما شجاعة ، ليزيدوا من تخلفنا تخلف .

قد نعثر بين هؤلاء على نمط آخر يكون العلم رائده، يبحث في المكتبات عما يغذي موضوعه او سواه، فتستبشر خيراً، غير ان هناك العشرات من اولئك الفارغين الذين يبحث احدهم في الجاحظ فلا يعرف عن ادبه شيئاً، ويبحث غيره في المعري دون ان يعرف شيئاً عن اللزوميات، ويبحث ثالث في المنطق دون ان يسمع بالمعتزلة. وبمرور الزمن يستحصلون على شهاداتهم بكل الطرق المتيسرة، فصل من هنا وفصل من هناك، يساعدهم في ترجمتها الى لغة البلد الذي يدرسون فيه، اناس متخصصون يعتاشون على هؤلاء الطلبة، فيذيلون بحوثهم باسمائهم الثلاثية او الرباعية، وكأنهم صنعوها وصنعوا معها مجدهم الكبير.

هل يكون الخلل في المناهج الدراسية الاولى التي تلقاها هؤلاء وهم على مقاعد الدراسة؟ ام في الأسس المعتمدة لارسال هؤلاء الطلبة الى جامعات العالم؟

قد يكون هذا او ذاك، وقد لا يكونان، غير ان الذي يجري ينبغي ان لا يتغاضى عنه رجال التربية والتعليم عندنا، هؤلاء الذين يتحملون مسؤولية جسيمة في تقويم المناهج ورفد سبل التعليم بالابتكارات الحديثة، وتمتين علاقة الطالب بمادته الدراسية، ومن ثم خلق جيل جديد قادر على ان يكون كفوءاً وجديراً باستلام مهام القيادة

التربوية في المستقبل، وفي العمل على بناء مستقبل العراق الذي يعودون اليه وهم يحملون راياتهم المؤطرة بورق السيلوفان.

قد يأخذ البناء المادي مجراه في حياة شعبنا العراقي، بهذه النسبة او تلك، غير ان البناء الروحي هو الذي يجب ان يسعى الجميع اليه، بموازاة البناء المادي، لكي لا تتسع الهوة بين البنائين وتضيع معالم الحياة، فيكون هشاً فارغاً غير قائم على أسس صحيحة.

قبل عقدين او ثلاثة عقود من الزمن، كانت الحياة الفكرية والثقافية العراقية حافلة باولئك الاكاديميين المبدعين الذين اورثونا جهودهم في ميادين تخصصهم المعرفي، حيث ندين لهم بالفضل الاكبر في تحقيق تراثنا، وفي رفد المكتبة العراقية والعربية بتلك المؤلفات الغنية بوجهات النظر والاراء الراقية… وفي طرح مفاهيم تحديث البنية الهيكلية للحياة والابداع، اما الآن، فنحن لا نكاد نرى الا بصيصاً هنا وهناك، وفي وقت يكثر فيه حملة الاقلام وحملة الشهادات وحملة الاغلفة او الارغفة.

سأورد أمثلة، من واقع تجربتي الدراسية والمهنية يتفاجئ بها القراء:

* طالب عراقي يدرس في السوربون ليحصل على دكتوراه دولة، اؤكد، دكتوراه دولة، لا يعرف ان على الخارطة العربية سلطنة اسمها سلطنة عمان!!

* حطت به الرحال في باريس فوجد نفسه يدرس السينما.

* يدرس نحو اللغة العربية، واذا ما اراد ان يكتب، امتلأت الورقة رغماً عنه بالاخطاء التي لو عرف بها سيبويه لمزق عمامته وراح في غيبوبة من الهم.

* نوري باشا السعيد، رئيس جمهورية سابق!!!

* استاذ اثار في سفرة علمية لطلابه الى مدينة الحضر الموصلية ، يقول لهم : انظروا عظمة بابل .

* عنوان مقترح لرسالة ماجستير ، كلية العلوم السياسية ــــــــ أثر سقوط جدار برلين على الوحدة العربية .

ـــــــــــ لابد له من ورقة تسجيل في احدى الجامعات، ليس حباً في الدراسة والعلم بل لكي تكون اقامته في البلد الاوروبي اقامة شرعية وقانونية.

انقذونا من الكثير من هذه الشهادات، لانها العلل الخفية في حياتنا، ولانها السم الزعانف الذي يجري في العروق.

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب