حكى لي أحد الأصدقاء منذُ زمنٍ بعيد قصّة أحدى الشخصيات الشعبيّة التي تجدها في كل مكان من بلادنا العزيزة منعها الله وحفظها من كل شرّ وقد تكون شخصيّة حقيقيّة فيتوجّب عليّ الإعتذار منه وقد تكون خياليّة ويتوجّب عليّ الإعتذار ممن ينطبق عليهم أخذ العبرة والمثل
فقد جرّب هوبي كل الأعمال ولم يفلح في أحدها ذلك لأنه لا يلبث أن يغيّر مهنته إن سمع أن سواها أكبر من حيث فرصة العمل أو أنها أكثر مردودا ماليا ولهذا فقد تقلّب في مهن شتّى فعمل نجّارا وعمل حدّادا وخيّاطاوعامل نظافة وفرّاشا وكثيرا من هذا، ولا أخفي عليكم أن قصّة هوبي سمعت بها منذ زمن بعيد كما ذكرت آنفا وتقدّم بي السنّ الآن ومجريات الأحداث الكثيرة وتداخلها في ذاكرتي بسبب كثرة التفكير بتدبير لقمة العيش ربما وأقول ربّما تجعلني أخلط بينها وبين شخصيات أخرى مرّت عليّ أو سمعت بها
المهمّ أن هوبي بعد أن عمل عامل تسليك مجاري وحاز على لقب سريدة وهي العصا التي تتخلف من السعف بعد نزع الخوص عنها وقرف من الروائح الكريهة قرر أن يبحث عن عمل يحصل معه على ربح سريع وعندما كان جالسا في مقهى المحلّة سمع بعضهم يتحدّث عن تزوير العملة فتنصّت على حديثهم وهو جاعل نفسه غير مكترث وبعد أن ذهب إلى البيت حلم كثيرا بالفلوس التي لو أفلح في هذا العمل يمكن أن يجنيها وانتهى إلى أنه يجب أن يخوض هذه التجربة فاشترى علبة أقلام ألوان خشبية من النوع الرخيص وتحتوي العلبة أعتقد خمسة أقلام فقط ( الألوان الرئيسة) وكان سعرها ثلاثون فلسا فقط وبحث عن ورقة نظيفة وأخرج ربع دينار واستغرق تقليد تلك الورقة منه ليلة كاملة واعتقدَ أنها تشبه الورقة الأصليّة وذهب بها في اليوم التالي إلى المصرف القريب( شوف الحظ!) وطبعا تعلمون الباقي فقد اُلقي القبض عليه فورا ودفع مقابل عمله ذاك سنتين كاملتين في السجن وقد احتار معارفه بين الضحك على عقله الصغير وبين الألم والتأسّف عليه ولكن السجن كان تلك الأيام ليس سيئا جدا فقد كان يحصل على طعامه اليومي على الأقل وهي حال أفضل من توسّل الأطباء المقيمين في أن يدخلوه المستشفى لا لأنه م� جائع كي يحصل على طعام يومه وكان الأطباء المقيمون في ذلك الحين أناس طيبون ويحبون الفقراء ويسترون عليهم ، نعود إلى هوبي بعد خروجه من السجن وكان قد تعلّم مهنة البناء ..طبعا أوليات المهنة فقط ولكنّه طبعا سبع إذ وجد في نفسه ( أسطى محترم!) وأخبر أهل المحلّة أنّه أصبح بنّاء ماهرا وذاع الخبر في المحلّة وجلس في المقهى القريب ينتظر الزبائن. وحدث أن سقط الجدار بين إحدى سطوح الدور وبين الجيران ( الوارش!) فجاءت أم البيت ترجو هوبي أن يسرع لإصلاح الوارش الموصوف فلم يكذّب خبرا وأسرع هوبي وصعد إلى السطح وسرعان ما جعل من أم البيت عاملا مساعدا له لتأتي له بالجص واللوازم وبدأ في تنظيف الطابوق ثم البناء وعندما أوشك على الإنتهاء شعر أن الوارش متحدّب من الوسط ويسمّيه الناس( ناطي بطن!) وعرف أن الوارش ربما سيسقط ولو حصل هذا فكيف سيحصل على أجرته والنهار يوشك أن ينقضي فقام بإسناد الوارش بظهره وصاح على المرأة صاحبة العمل مطالبا بالأجرة فقالت له : عيني هوبي بعد ساعة يأتي أبو ال(جهال) وينطيك الأجرة فلم يوافق وأصرّ على أن يقبض أجرته حالا لأنه ليس لديه مصروف وكذا وكذا فلم تجد المرأة المسكينة بُدّا من الذهاب للجيران للإقتراض ورجعت وهي تنادي على هوبي: عيني هوبي تعال خذ أجورك فيردّ هوبي : لا ..أصعدي أنتِ فتقول: ليش عيني إنزل ما طول خلص الشغل فيردّ هوبي : لا.. إصعدي لي أنتِ أحسن وتقتنع المرأة فتصعد إلى السطح وتدفع له المبلغ المتفق عليه وتنزل فيترك هوبي الوارش ويجمع فأسه وحاجته وبينما هو ينزل من السطح فإذا صوت انهدام الوارش يدوّي بالبيت فصاحت أم الدار: يبوي ها شنو هوبي هذا الوارش وكع!( وقع) فيردّ هوبي صائحا: لعد شنو تردينه طول العمر؟ .