5 نوفمبر، 2024 12:32 م
Search
Close this search box.

شموع الخضر

حافية من الصبر.. أتوكأ على وجعي .. ازحف على جمر الحنين، تلفعني حرارة الشوق…. أشق طريق وحدتي نحو القبة الخضراء الغافية عند الجسر…

(عاشك واجيت أمشي بحرارة صيف وبظهرية.. ياما نحرت الشوك وبريسم غدت رجليه).

هنا يرقد العيد.. في ارضك التي لم تكن بورا.. ودّعته يوما ما .. والقيت بقايا أسراره في بئرك عندما أشعلت شمعة فرح.. أيام كانت الاعياد ملونة..

تغير المكان.. ولم يتغير الناس.. قرقعة (صواني) الحناء.. زغرودة امرأة توفي نذرها، تتبعها عروس شابة تتعثر بخجلها وهي تضم الوليد الى صدرها بقوة خشية أن تتسلل نظرة حسد الى الهبة الالهية.. صخب أطفال يتدافعون زحفا لجمع قطع الحلوى المتطايرة..

لم يتغير الكثير.. ففي كل مرة .. وعندما يحين الغروب.. في ركن منعزل.. يتهادى أنين أم ثكلى كعزف ناي حزين..

إيه يا دجلة.. أما زالت مياهك تبتلع التائهين.. أم هي شمعة استحضار الغائب تردد صلاتها أم ابتلعت الغربة ابنها منذ سنوات فلم تجد ماتضمه الى صدرها سوى صليبها؟

.. يباغتني الصمت وتتلاشى الصور فاظل وحيدة لأتسلل الى جرف دجلة.. أشعل شمعة (الخضر)..

تتهادى شمعتي على صفحة الماء.. تبتعد وهي تجر أذيال خيط النور المثقل بنذري..

و دون وعي.. أستحضر وجهك الذي يشاكسني في الأفق الممتد نحو سماء تلملم ابتسامتها أمام حزن الليل.. تعابث قسماته أصابعي فهي تعرف طريقها نحو تضاريسه التي تنحتها يديّ كطين صلصال..

ومن وراء ظهر النسيان.. تشخص (كلّك) بقامتك التي تطاول السماء، عيناك الحائرتان بين القسوة والدمعة..  ابتسامتك المسافرة في الطفولة.. ويدك الممدودة نحو بقايا حلم..

أغمض عيني.. أشعر بك.. تقف قربي.. كتفك يلامس كتفي وأصابعك تفك اشتباك الحيرة في أصابعي.. معا نراقب شمعة الأماني وهي تختفي في الظلام..

ياترى، هل أبحرت شمعتي منتصبة القامة.. هل امتزجت دموعها بدجلة فيتحقق النذر.. ام تعثرت في وحل الخيبة؟

 

(بلجن يعود الغايب العيني على دربه ربيّه)..

 

يحبس نور الشمعة أنفاسه ليلوّح لي مودعا..لم أعد اراها.. كما لم أعد أراك، فقد حل الظلام.. ودجلة لم يعد رائقا كما كان..

أعود أدراجي.. طريقي مدجج بالحرس.. وأسئلة عن هويتي؟

(هويتي امتطت صهوة جواد فارس الصمت، وعيدان الكبريت نفدت عند الجرف وانا أحاول أشعال شمعتي)..

– أين أودعت شمعتك؟ جرف دجلة يرتدي القصب مذ دخل المزاد ولامنفذ للماء؟.. قهقهات..

– اخلو سبيلها، فالمجانين أحباب الله.

… تتثاءب خطواتي وهناً فيطول درب العودة الى مخبئي.. مصابيح الجسر.. انوار السيارات الكاشفة.. ضجيج، أم حياة؟ لا أعلم ..

عيناي لاترى سوى أفق اشتد سواده حاملا ملامح وجهك الذي غادر الأفق ليختبئ في سواد عيوني فاتحاشى نظراتهم خشية أن يلمحوك في حزني.

.. أينك؟ ألم تكن صلاة الروح عند (مقام الخضر) كافية لايقاظك من سباتك! ولا ارتجافة يدي وهي تتلمس طريقها نحو يدك: تلقفني.. فجراحي تنين يبتلعني.

.. يشتد الظلام أكثر.. هل حقا نفدت عيدان الكبريت عند جرف دجلة وأنا أنذر شمعة (الغائب)؟

 .. هل حقا أشعلت شمعة الرجاء؟

 كيف نسيت .. لقد ذهبت لأقطع حبلك السري وأطهر الجرح بماء البئر المباركة.. شربت منها وعبأت زجاجة لأستبدلها بعطري.. يقال ان ماء البئر تنبت الخصوبة في ارحام العرائس، لعلها تكفي لتغسل ذاكرتي وتنبت النسيان؟

لابد اني أسقطت الزجاجة في طريق العودة؟؟ بل، لم تكن لدي زجاجة أصلا!! ولم أقرب البئر..

 … هكذا.. بكل بساطة.. نسيت طقوس نسيانك….

……………

(شموع الخضر) قصيدة للشاعر المرحوم زامل سعيد فتاح، غناها الفنان ياس خضر في بداية السبعينيات، وهي مستوحاة من طقوس اشعال شمعة تثبت على خشبة لتطوف على سطح دجلة املا في تحقيق النذر ، ويتميز مقام الخضر الذي يقع على نهر دجلة عند جسر باب المعظم بأنه قبلة للزائرين من كافة الاديان والطوائف في العراق .

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات