مع ظهور تنظيم القاعدة الارهابي في افغانستان ، ظهر الصراع بين قياداته لأسباب كثيرة اهمها ارتباط قياداتها باجندات المخابرات السعودية والباكستانية والتناحر بين القبائل والعشائر من اجل فرض الهيمنة على المناطق التي يسيطرون عليها اذ تشعبت منها تنظيمات ارهابية مختلفة غزت العالم الاسلامي وخاصة العراق وسوريا ومنها ما انطوت صفحتها بسرعة وغابت عن المشهد مثل انصار الاسلام وتنظيم الجهاد والتوحيد وجيش المجاهدين والجيش الاسلامي في العراق ومشتقات اخرى في سوريا وكانت اخرها تنظيم داعش الارهابي الذي سرعان ما انتشر في سوريا والعراق بعد تدهور الاوضاع الامنية فيهما و نفوذ تلك التنظيمات الى بعض المناطق وخاصة في حلب.
في العراق ايضا الاجواء والبيئة كانتا مهيأتين لظهور التنظيم ، نتيجة للاوضاع الامنية التي تفاقمت بعد 2003 و انتشار آفة الارهاب في معظم مناطق العراق وبالاخص في المناطق السنية وذلك نتيجة للاخطاء التي ارتكبتها حكومة المالكي ما ادى الى حالة من القطيعة بين اهالى تلك المناطق والحكومة فضلا على التدخلات الاقليمية في تلك المناطق وضخها بالسلاح والمال بغية تغيير مسار العملية السياسية حسب مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة.
في خضم تلك الاوضاع وضعف حكومة المالكي بمعالجة المشاكل واشتداد الصراعات بين القوى السياسية المختلفة وعدم تعاون اهالي المناطق التي ذكرتها سالفا مع الحكومة و وجود حالة من الفوضى بين القوات المسلحة العراقية بمختلف
مسمياتها نتيجة للفساد الاداري والمالي فيها ، وسطوة شخص واحد على قيادتها بالوكالة، استغل تنظيم داعش تلك الثغرات وتمكن خلال ساعات من اجتياح عدة محافظات عراقية بعد الهروب الجماعي للقوات المسلحة الاتحادية بمختلف مسمياتها وتمكن التنظيم من بسط سيطرته على مساحات شاسعة ، ولولا يقظة وحدات من الجيش والشرطة والعشائر ودعم التحالف الدولي والايراني لأمتد الارهاب الداعشي الى العاصمة بغداد وقلب كل موازين القوى في المنطقة.
لقد استباح داعش كل الحرمات وارتكب مجازر دموية بحق الابرياء من كل القوميات والطوائف من دون استثناء وقام باعمال اجرامية يندى لها جبين الانسانية كالاغتصاب واخذ النساء سبايا و عرضها في الاسواق امام الملأ فضلا على منع كل ظاهرة وسلوك حضاري وفرض نهجه الوحشي المتخلف والبربري على الجماهير تحت يافطة الاسلام والاحكام الشرعية والتي لا تمت للانسانية بصلة.
بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة والتوافق المحلي والاقليمي والدولي على السيد حيدر العبادي لقيادة الدولة العراقية ، حدثت تغييرات طفيفة داخل المؤسسة العسكرية والامنية فضلا على الدعم الدولي للعراق من حيث السلاح والتجهيزات المختلفة بالاضافة الى اتفاق جميع القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية ضد داعش الارهابي بسبب الخوف المشترك من ازاحتهم من السلطة ، لذلك وبرغم جميع الخلافات والصراعات دعمت الحكومة ووقفت الى جانبها لدرء الخطر عن النظام.
اليوم شمس داعش الارهابي نحو الافول و سيخسر معركة الموصل عن قريب وسيضمحل عسكريا ولكنه سيخلف وراءه فكراً متخلفاً وثقافة القتل والتشدد والاجرام والكراهية والتناحر بين المكونات التي ترسخت بين فئات جماهير المناطق التي فرض عليها سطوته خلال السنتين الماضيتين وخاصة في محافظة نينوى ومركزها الموصل.
وسيخلف داعش الارهابي وراءه المئات وربما الالاف من العوائل المفجوعة التي قتل ابناؤها بسبب داعش الارهابي اما في القتال الى جانبه او على يده بسبب معارضتهم لسياسته الهوجاء وسلوكه البربري او اختطافهم ومن ثم قتلهم ، فضلا على الاف الارامل والايتام ومئات الالاف من المرضى النفسيين من الرجال والنساء والاطفال الذين ارعبتهم العصابات الاجرامية التي قتلت الناس وارتكبت ابشع الجرائم الدموية من الذبح وقطع الاطراف وايضا قطع الرقاب و رفع الرؤوس المذبوحة في الشوارع والميادين والاماكن العامة امام الملأ ، بغية ارعاب الناس وفرض سلوكها البربري عليها ، ومعالجة كل هذه الكوارث المروعة ، يتطلب فتح مراكز خاصة وادارتها من قبل مخصصين في علم النفس ورجال دين معتدلين لأعادة تاهيلهم سلوكيا ونفسيا وفكريا.
كما استشهد عشرات الالاف من خيرة الشباب العراقي في الحرب ضد داعش الارهابي من مختلف المكونات العراقية والتي ستشكل عوائلهم شريحة كبيرة من المجتمع العراقي ما يتطلب من الدولة رعايتها وتقديم الدعم المادي والمعنوي لها للتخفيف من الامها والضغوط النفسية التي تواجهها جراء فقدان اعزائهم.
والخسائر المادية التي خلفتها الحرب ضد الارهاب تقدر بعشرات المليارات بالاضافة الى الخراب والدمار الذي اصاب البنية التحتية للخدمات لجميع المدن والقصبات والقرى التي عاث فيها الارهاب الفساد ، وايجاد فرص عمل للعاطلين وخاصة الشباب للحيلولة دون استغلالهم مرة اخرى من قبل الجماعات الارهابية التي سوف تسعى وتعمل عبر خلاياها النائمة للعبث بالامن والاستقرار من جديد بغية ارباك عمل الحكومة والاجهزة الامنية والعودة من جديد الى ارتكاب المجازر الدموية.