( بيت وعائلة صغيرة ترفل بالسعادة والهدوء والعيش كأي بيت من بيوت المنطقة بين الأهل والأقرباء تسودهم المحبة والوئام تحكمهم الأعراف والقيم والعادات الاجتماعية السائدة في مجتمعنا ومن هذه الأعراف هي تأمين مستقبل أولادهم إناثا وذكرانا مبكرا من العمر كان للبيت ولد وصبيتان يعيشا طفولتهما بالطول والعرض كباقي الأطفال يلعبون ويمرحون في وسط أجواء ما يوفره لهما الأبوان وجدهما الكبير يكللهما بظله الوافر وحمايته القوية لما يتمتع من كلمة مسموعة ورأي له تأثيره على العائلة أجمع وله أبن أخر يعيش في بيت مجاور له وله بنت وولد بوادر التفوق الدراسي والنبوغ العلمي واضحة المعالم على شخصيته التي تتسارع في النمو في كل مرحلة دراسية فقد رأى جدهما الشيخ أن يبني لعائلته بيتا آخر بأشرافه ولمسات يديه قبل مغادرة حياته الباقية التي يعد سويعاتها . في يوم جمع العائلتين من أبنائه وطرح فكرته التي طالما قلبها في عقله مرارا وتكرارا قبل البدء بتنفيذها وطرحها على أبنيه فقال لهما أن الولد ( أحمد ) ولد طيب ومتميز في الدراسة وله مستقبل زاهر وكل العوائل تتمناه زوجا لبناتهم وأنا غير مستعد التفريط به للغير وألتفت لأبنه الأصغر وأنا أعلم لديك جوهرتين طالما أحببتهما منذ الولادة وأراهما تكبران وتزهران أمامنا في كل يوم ولا أريد التفريط بها فالرأي السديد أن تكون الفتاة إلى أحمد ونعلن النبأ للعلن بين الأهل والأقرباء لنبعد الشباب عن ( شمس ) لحين يكبرا ونُتم الزواج رسميا بعد تخرجهما .
كانت شمس الفتاة المحبوبة لجدها جدا والقريبة له الذي يرعاها ويحبها حبا شديدا لجمالها وفطنتها ودعاباتها التي تملأ البيت أخذت شمس تكبر شيئا فشيء والطفولة تغادر جسمها والجد والأبوان يراقبان ذلك مع أختها فحين وصلت إلى الصف الخامس الابتدائي جمع الجد أبنائه لوليمة أعدها لهم ليخبرهما بتنفيذ قراره بإعطاء ( شمس ) ل ( أحمد ) لإبعاد العشيرة عنها كما جرت عليها عادات المجتمع التي تسببت كثيرا من المشاكل بين العوائل وما زالت تعطي الضحايا من الأسر بسبب هذه الأعراف المتأصلة في المجتمع العربي وتم الاتفاق على قراءة سورة الفاتحة بين الطرفين وهدية بسيطة من الجد عبارة عن أسورة ذهبية أحاطت معصمها الترف الصغير تعانقه بالسعادة والغبطة في نفسها وقلبها لم تدرك حينها الأمر وسارت الأيام والطفلة تغمرها السعادة بهديتها وأبن عمها أحمد يكبر أمامها . أخذت الأيام تمر سريعا والسنين ترسم خطوطها على محيا شمس وأحمد وهم يكبرون بين أيديها ومشاعر التقارب تزداد خطوة بعد خطوة وأصبح أحمد يغار عليها ويولي اهتماما بخطيبته ونظراته وأحاسيسه تضع مكانا في قلبه وتتربع على عرشه وهي تبادله نفس الشعور بعدما عرفت الأمور على حقيقتها وهناك وضعت المرحلة الإعدادية أوزارها ليبدأ أحمد رسم ملامح حياته الجامعية وهي كلية الطب حينها أختار أحدى الدول الأجنبية التي تقبل معدله الذي يؤهله دخولها فقرر السفر بعيدا عن شمس واضعا حبه وحياته بين يدي القدر مؤقتا على أمل اللحاق به وسارت الأيام وفق ما هو مرسوم لها وغادر البلاد وترك حبيبته تكمل دراستها الثانوية وتتخرج منها بتفوق وفتحت الأيام أذرعها لهم وزهور الحياة أطلت بأعناقها عليهم والرابط بينهما تلك الأ سورة الذهبية التي تعانق معصمها منذ الطفولة وبعد أن أنهت شمس الدراسة الثانوية التحقت به ليكملا ما خططا له بدعم من العائلة في تكوين أسرة جديدة وبالفعل سافرت إليه بعيدة عن الأهل وخصوصا الجد الحنون بعد انتظار ثلاث سنوات حاملة معها ذكرياتها وأحلامها وطموحاتها وفراقها في سبيل الحبيب والزوج المنتظر بلهفة لا توُصف التقت به واستطاع أحمد في إيجاد سكن لها قريب منه وتحركت عجلة الأيام تدفعها محبة شمس لأحمد وفي يوم من الأيام أوقف الزمن دورته وصمتت عقاربه فجأة حينما أحست أن أحمد يختلق الأعذار في الابتعاد عنها وملامح البرود تسود لقاءهما ويتهرب منها هنا دق ناقوس الخطر نغماته في قلبها وأخذت تتحرى عن الأمر حتى وصلت للخيوط التي أوصلتها إلى الحقيقة وعرفت أن خطيبها قد تعرف إلى زميلة له في الجامعة من بلد عربي واتفقا على الزواج منها . حينها غابت الشمس التي كانت تضيء دربها في الغربة وتُسدل ستار نورها أمام عينيها وأيقنت أنها كانت تسير نحو سراب من الأمل والأحلام الجميلة وابتسامة حياة زائفة طالما عاشت جمالها والآن تتبدد أمامها على صخرة الخيانة من حبيبها والثانية كضحية للعادات والتقاليد السائدة التي أجبرتها أن تقف في هذا الموقف فانزوت في غرفتها لأيام معلنة الحداد على نفسها وقدرها وبعد تفكير ناضج وعقلية متفتحة استوعبت الدرس وصارحت أحمد بكل شيء لتضع حدا في التلاعب في مشاعرها طويلا وقررت الانفصال عنه في كل شيء وبكرامة وأخرجته من حياتها وقلبها لتصبح حرة طليقة بخارطة طريق جديدة نحو المستقبل بعيدة عنه لتواصل حياتها لاعنة التقاليد والأعراف المجتمعية التي ترسم حياة الإنسان مبكرا بدون هداية ودراية ))