بالله عليك يا دولة رئيس مجلس الوزراء نوّرنا، وقل لنا من فضلك: شلون بإمكان العراق أن يصبح من الدول العشرين الناهضة والمتقدمة؟. طرح هذا السؤال يأتي من وحي الكلمة التي ألقاها الدكتور حيدر العبادي خلال حضوره إحتفال الأمانة العامة للعتبة الكاظمية بمناسبة الإنتصار على عصابات داعش، قال فيها من جملة ما قال، أن بإمكان العراق أن يصبح من الدول العشرين الناهضة والمتقدمة ودعا إلى عدم السماح للأصوات النشاز بإعادته إلى الوراء.
نقطة رأس السطر.
كلام جميل. عدم السماح للأصوات النشاز واضح وسهل وممكن. في العراق، كما هو معروف، هناك الف طريقة وطريقة لإسكاتها، ليس اصعبها قطعاً إرسال مظروف يحتوي على “طلقة” حامض حلو، ليس من قبل السيد رئيس الوزراء وانما “مبادرة كريمة” من محبيه ومريديه، او من الحريصين الذين نصبوا انفسهم، تطوعا ونكراناً للذات، حراساً أمناء على سلامة العباد وأمن البلاد، غير ان امكانية ان يكون العراق ضمن الدول العشرين الناهضة والمتقدمة، اي ضمن الدول التي تحقق اعلى انتاج قومي سنوي في العالم من بين الدول المئة والثلاث والتسعين المنتمين الى الأمم المتحدة، واثنتين غير منتميتين وبعض التجمعات والهيئات الدولية مثل الإتحاد الأوربي، يحتاج الى بيان وتبيين. دولة الرئيس لم يوضح كيف يمكن ان يتحقق ذلك؟، قال تصريحه المثير كما هي عادته في إطلاق التصريحات، غير المدروسة أو التي تكتنفها الحماسة الزائدة، وتركنا نضرب الأخماس بالأسداس والحيطان بالراس، دون ان يوضح، ويبدو دون أن يتوقّع ايضاً سؤالاً من سائلٍ لجوجٍ يهوى الإصطياد في الماء العكر، قد يستفسر من دولته قائلاً: كيف السبيل الى ان نصبح في تلك المنزلة مع هذه المعطيات الثقيلة:
* الدين الخارجي تجاوز المئة والعشرة مليارات دولار اي ما يعادل ثلثي الناتج المحلي تقريباً، وهو قريب من منطقة الخطر حسب المعيار الدولي للديون.
*البلد بحاجة الى مئة وخمسين مليار دولار اخرى لإعمار المدن المحررة.
*الإحتياطي النقدي لدى البنك المركزي تراجع من ٨٨ مليار دولار عام ٢٠١٤ الى حوالي ٤٩ مليار دولار في الربع الأول من عام ٢٠١٧ حسب تصريح احد مستشاريه، بينما قال عضو اللجنة المالية النيابية سرحان أحمد،في تصريح صحفي، ضمن نفس الفترة أن الحكومة سحبت نحو 48 مليار دولار من الاحتياطي النقدي المودع في البنك المركزي العراقي منذ عام 2014 ، ذهبت 20 مليار دولار منها الى ايران لدعم عجزها المالي بتوجيه من المالكي والعبادي، أي ان الحكومة قرضت ٤٨ مليار دولار خلال ثلاث سنوات.
*عقود التراخيص النفطية أو ما يسمى عقود الخدمة والتطوير تكلِّف 23% من عوائد النفط الإضافية وهو ما يعادل 11% من عوائده الكلية، كمستحقات استثمار واستخراج ومستلزمات تشغيل وإنتاج، كانت هذه الكلف بمقدار 46 مليار دولار للسنوات 2011-2015، زائداً أكثر من مليار دولار آخر كأجور ربحية لأن الشركات الأجنبية تحصل على ما بين 1.64 – 0.82 دولار مقابل كل برميل تنتجه، حسب الدراسة التي أعدها السيد عصري صالح موسى، الخبير نفطي، عضو فريق وزارة النفط في جولات التراخيص، إضافة إلى عمله مستشاراً في مكتب وزير النفط السابق، حسين الشهرستاني، عرّاب عقود التراخيص، لمدة ثلاث سنوات قبل أن يحال إلى التقاعد، والمنشورة على الإنترنت.
هذا يعني أن ما يقرب من ربع ايرادات النفط سوف يذهب للشركات الأجنبية ومثله سوف يذهب لسداد اقساط القروض وفوائدها، الأنكى، يقول السيد عصري في نفس الدراسة أن هذه العقود التي حققت (نجاحات كبيرة! ) في مرحلتها الأولى، اخذت تتعرض مؤخرا الى تقليص الموازنات وحذف أو تأجيل اجزاء مهمة من خطط التطوير الشامل والتي سينتج عنها توقف النمو في الإنتاج النفطي والصادرات خلال السنوات القادمة وبالتالي انخفاض العائدات، في حين يفترض أن نعمل على زيادة الإنتاج لمواجهة انخفاض الأسعار، ولا أدري كيف يرى السيد الخبير في زيادة الإنتاج حلاً لمشكلة انخفاض الأسعار. هذه مشكلة عويصة اخرى لا محل لها من الإعراب في هذه الجملة -المقال.
*العراق حاليا يقبع في الخانة 54 حسب معيار إجمالي الإنتاج المحلي السنوي كما في بيانات صندوق النقد الدولي، إذ أن إجمالي الناتج المحلي العراقي السنوي يصل الى ١٦٧٠٢٦ مليار دولار، بينما يبلغ اجمالي الإنتاج المحلي للدولة التي تقع في اسفل سلم نادي العشرين، المملكة العربية السعودية ، ٦٤٦٤٣٨ مليار دولار، وايضا كما في بيانات صندوق النقد الدولي لعام ٢٠١٦.
ثم قبل هذا وذاك، الهدف من انشاء هذا النادي الإقتصادي عام 1999 كان تعزيز الاستقرار المالي الدولي بالتعاون مع البلدان الناشئة (مثل الصين والهند والبرازيل والمكسيك وتركيا وروسيا وجنوب أفريقيا، بعد ان وجدت الدول السبع الكبار (الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، ألمانيا، إيطاليا، المملكة المتحدة، فرنسا، وكندا)، ان مشاكل الإقتصاد العالمي بدأت تتفاقم. وفق هذه الحقيقة، إذا اخذنا تطلع رئيس الوزراء على محمل الجد وافترضنا في دولته حسن النية وسلامة الطوية وسداد الرأي، وهو أهل لذلك، ولعنا عزت الشابندر!!، يحق لنا ان نسأله متى سوف يصبح العراق عنصراً فاعلاً في استقرار الوضع الإقتصادي العالمي؟.
طبعاً، هنا، ولدواعي المعرفة السائدة لدى جميع العراقيين وضعنا جانبا كل ما نعانيه من ازمات وتخبط سياسي واقتصادي وإجتماعي واداري وخدمي، بل ونفسي، بحيث ان العديد من اللاجئين الذين عادوا الى ديارهم بعد التحرير، فضلوا الرجوع الى المخيمات، لكي لا يتم تصنيفنا ضمن الذين قال عنهم السيد رئيس الوزراء “الأصوات النشار التي تحاول ارجاع البلد الى الوراء” في نفس التصريح.
لا يمكن قطعاً سد باب الأمل او نافذة الحلم أو حتى كوة التأمل على أحد، ناهيك عن السيد رئيس مجلس الوزراء، غير ان حلم من في موقعه عندما يتجاوز الواقع يصبح استغفالا للجماهير وخداعاً فجاً لطموحاتهم اليومية البسيطة التي لا تتعدى لدى اغلبيتهم حاليا في العراق، وعلى المدى البعيد ربما، بعد عقود طويلة مظلمة من المعاناة، الأمن والمسكن والمأكل والمشرب، من خلال فرصة عمل كريم.