23 ديسمبر، 2024 1:20 م

“شلتاغ” وطالب الشطري , وأنا ….!!

“شلتاغ” وطالب الشطري , وأنا ….!!

أبناء “السنّة” من أولى أولويّات اهتماماتهم الدينيّة حفظ الوثائق المهمّة والأوراق الخاصّة بالدين الإسلامي “قرآن وأحاديث” منذ مبادرتهم الأولى بجمع القرآن وصولاً إلى كتابته ثمّ إلى قرائته ثمّ جمع الأحاديث وعمليّات تحقيقها الجارية على قدم وساق لغاية اليوم , حرصاً أن لا تطال بنيويّة الدين أيدي العابثين بحجّة “التفسير” وغيره من أحاييل عرفت على طول طريق الدعوة الإسلاميّة الزمني .. تنثني الهمّة في ذلك عند نقاط معيّنة من مسارها الطويل وتخترق ؛ صحيح , ولكنّ الاهتمام بالمحافظة على التوثيق الديني  لا زالت قويّة  وإن تعرّضت لاختراقات أبعدت الكثير من المسلمين عن جوهر الإسلام ..

ومن الاختراقات الّتي امتدّت لعصرنا ؛ إضافةً للتصوّف التركي المنحرف الّذي “صوّف” لبوس قيم الدين البسيطة ؛ إيران بعصرها الصفوي , إيران “الخرّميّة” , ومن “خرّميّة” إشتُقّت مصطلحات شعبيّة عراقيّة ربّما لم يسمع بها أخوتنا العرب مثل “الخرنكعيّة” و “الخرّكيّة” باللهجة العراقيّة الدارجة في إشارة لمن أصيب بوضاعة في السلوك وانحراف وشذوذ لما امتاز به ذلك المذهب المحرّف عن الزرادشتيّة “الخرّميّة” وفروعها من شذوذ جنسي نفث سمومه باتّجاه “المتعة” حيث يشكّل الجنس أهم أعمدة الخرّميّة السابحة بتلك السلوكيّات “تلبيس إبليس” لابن القيّم الجوزيّة تـ500 هـ” , .. و “آل سعود” أيضاً .. المتاجرين بالدين هم  ومفتوهم المضلّين المتاجرين بقيم الإسلام المعزّ لأتباعه المذلّ لأعدائه شكّلوا طيلة حقبهم الثلاث من حكمهم الجزيرة مذلّة للمسلمين وجعلوا منهم مطيّة ومرتكزاً غربيّاً لتنفيذ السياسات الاستعماريّة المتعاقبة على منطقتنا ورأس إفساد سياسي دموي لكلّ من أراد كسر قيود التبعيّة للغرب أو التحرّر من الاستعباد .. من نتائج انحرافاتهم بالموروث العقدي المفتوح والرائع “كان الحرمين والمسجد النبوي قبل قدوم آل سعود , يعجّان بالنشاطات الحيويّة في جميع صنوف العلوم الدينيّة وتضجّ أرجائهما بالنقاشات الّتي تصبّ في خدمة الوعي الديني يتصدّا لها علماء أحرار في غالبهم قادمون من أصقاع الأرض ومن كافّة البلدان الإسلاميّة غادون رائحون دون الحاجة لإقامات وتصاريح ملكيّة! ينتشرون في كلّ ركن وزاوية وعمود من أركان وأعمدة وزوايا المسجد الحرام والمسجد النبويّ” من نتائج الانحراف القيمي بالدين الحنيف تشويه بصري وتشويش استبصاري أصاب عرب الجزيرة , بحيث  أصبحت “إسرائيل” مثلاً بعيون الغالبيّة منهم بفضل مفتو السلاطين بمثابة الأخ الأكبر لهم ! “أنظروا لصور الإستقبال الجماهيري “القطري” الحافل لبيريز في داخل أحد أسواق قطر ! , وهو دليل على انحرافاتهم السلوكيّة الدينيّة , دعنا من القوميّة الّتي تلزمهم النصرة , بقراءاتهم المغالِطة للدين الحنيف من نتائجها أيضاً أنواع التبريرات لممارسة عمليّات الزنى تحت أستار “المسيار” و “العرفي” إضافةً للصرعة الجديدة “إرضاع الكبير” ! وغيرها ..

الحافظة , كما يحلوا لي أنّ أطلقها هنا إعتقاداً منّي أنّ “السنّي” لم تكن لديه اهتمامات سوى ما موجود في ذاكرته “حافظته الدينيّة” طيلة فترات وحقب الدولّة “السنّيّة” فتفرّغ للمحافظة على قيم الموروث الديني محافظةً لصيقة له خضوعاً منه لـ “وإنّا له لحافظون” فاستعان بكلّ ما يحقّق ذلك الهدف , فكان “علم التجريح” و “علم الرجال” وغيرهما .. ولكنّ الضغط النفسي والجهل والأمّيّة والأمّيّة الدينيّة والثقافيّة الّتي عصفت بحياة جميع المسلمين أبان فترات نهايات حكم بني العبّاس ومن أتى بعدهم , العثمانيّون والفرس , اعتملت جميعها حتّى بلغت الذروة  مع مقتربات اندحار العثمانيّين في الحرب العالميّة الأولى , كشفت تلك الحقبة بعد الاندحار عن ما تركه آل عثمان والفرس ببلداننا , عن خواء حضاري مستلزمات الحياة الإنسانيّة الكريمة شبه معدومة فيها وخالية من كلّ مظهردال على أن سكنة هذه البلدان مسلمون ! فأصبحت بلداننا فريسة سهلة لكلّ مغامر , فما بالنا ببريطانيا “العظمى” وفرنسا وما تملكانه من  تراث امبراطوريّ اكتفى الأتراك “الأواسط آسيويّون” بعد هزيمة محورهم أمام تلك القوّتين بما استولوا عليه من أراضي سمّيت “تركيا” ! تجلّت آثار تخريبهم على بلداننا ممّا نعاني منه الآن وأثّر بدوره على ذهنيّة “السنّي” الّذي تشعّبت أمامه خيارات العودة من حيث كان يسير باتّجاه واحد  فبات مثلاً لا يتملّكه الحرج أن يقول : “ليس هنالك أصدق من القرآن ومن الصحيحين” !! مثل هذا القول التفاف وانحياز واضح تمّ ربطه بالقرآن ! .. ومنها المبالغة في شخصيّة عمر ابن الخطّاب حتّى ليخيّل للقارئ المحايد حين يقرأ عن عمر من مصادر تمّ تأليفها في عهود الصراع والتخلّف أنّ الرجولة عدمت من بعده ! , غير آبه من سطّر ذلك الكمّ من المبالغات أنّها ستنعكس سلباً  فيما بعد  على “أهل السنّة” أنفسهم ؛ وبالفعل .. فقد انقلب السحر على الساحر كشفت ذلك مواقف  مصيريّة تستدعي رجولتهم ! مع انخفاض في مناسيب  “النخوة” لديهم بفضل سطوة “فايروس” مستشري فيهم اسمه عمر “وحاشاه بالطبع” فالرجل لم يكن بتلك المواصفات الخارقة الّتي ألصقت به كما ألصق “ألمستشيعون” بطولات خياليّة بعلي وبذريّته , حاشاهم أيضاً , تفوّقت على “محمّد” نفسه .. ومن نتائج  انقلاب ذلك السحر ؛ “خصي” في الإرادة , عمّت جزيرة العرب , لذلك ليس بمستغرب أنّنا نرى جيوش الغرب الاستعماري وشركاته الطاغوتيّة تسرح وتمرح في الجزيرة منذ أكثر من ثلاثة قرون دون رادع أوغيرة على الدين ! . وإن اعترض أحدهم سرعان ما يواجه بفتوى من داعية سلطانيّ مضلّ يضحك عليه في سرّه بها قائلاً له : “إنّهم أهل ذمّة يا بُنيّ” .. !

بالمقابل , فإنّ التشيّع لعليّ بن أبي طالب في بدايته , المعاصرة له تحديداً , كان ثروة إسلاميّة ثوريّة  نقيّة هدفها “برسترويكا” مستديمة للدين الحنيف , ثورة برؤى ستراتيجيّة للدين تحافظ على حضوره الدائم في نفوس المسلمين “بالحزم” و “باللين” معاً , مع تقبّل المستجدّات في نفس الوقت “لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم فإنّهم مخلوقون لزمانٍ غير زمانكم .. لعليّ أو لمحمّد وأنا أرجّح قالها غيرهما ممتثلاً لحقيقة تقول أنّ كلّ فئة  تحاول أن تلصق كلّ حكمة مغرية بمثلها الأعلى” ظنّاً من “الشيعة” أنّ تصوّرهم الجديد سيبتعد عن “القولبة” وسيبتعد أن يكون مساراً بين المسارات كي لا يتحدّد شكله أو يتجسّم فيصبح عرضة للتخريب الغير متوقّع , وما دريَ أصحاب تلك الثورة من أصحاب النوايا النقيّة “وهو ظن منّي بقادة الفكر ومنهم قادة التشيّع الأوّل” أنّ الثورة “المستمرّة” ستصبح هي الأخرى بكامل عواملهما  “الهلاميّة” والغير مجسّمة ظاهريّاً , أيضا “مساراً” بين المسارات ! وهي سنّة من سنن الكون , وبها سيصبح المسار الّذي لا شكل له  ظاهراً محدّد الشكل بمجرّد ما تخرج “الفكرة” وتظهر إلى العلن ! , وبذلك فحتماً ستتعرّض الفكرة لعوامل “التعرية والتصدّأ والقصافة” .. بمعنى أنّ التشيّع ابتعد عن نقاوته .. ولو بقي أنصار التشيّع رافضين لمن رفضهم عوناً لهم على طول المسار الإسلامي الزمني يوعّون المسلمين في كلّ عصر بما حملوه من غيرة على الدين وشكيمة لا تبارى في تطبيقه ودعوة إسلاميّة صافية حقيقيّة لا دعوة سياسيّة وحاولوا أن ينأوا بأنفسهم عن أن يكونوا مستلبين من قوّة أخرى مستغلّة لهم وصمدوا أحراراً في الدعوة إلى الإسلام باللين وبقول الحسنى على هدي النبوّة وأن يبعدوا عنهم تهمة التسايس مع آل البيت ولخدموا الإسلام خدمةُ لا يجاريهم فيها أحد بدل أن يكونوا حين أصبحوا معول هدم لبلدان المسلمين مساندين لقوى الصليب واليهود يستغفلون أتباعهم أنّهم على طريق آل البيت والّذين قد تمّ تقديسهم مسبقاً كي ينتهي عند ذكرهم الخصام ! .. لأن القدسية في حالات كثير تأتي من الغموض , ولذلك أنّنا نرى أصحاب الأغراض الدينيّة من المتعاطين بالدين أو حتّى الّذين لا يريدون الوقوع في الحرج يجاوبون أتباعهم بموضوع يطرح نفسه بالّذي يتقاطع وما فهموه منهم , بأنّ السماء وراء ذلك ! لتبديد ظنونهم ونثرها في السماء .. !

بما أنّ “القلّة” في غالب الأحيان “على صواب” فإنّ التشيّع الأوّل النقي والطاهر تعرّض لكلّ صنوف الإنكار من قبل الدولة أو الامبراطوريّة أو المملكة أو الخلافة , لا غبار على ذلك  .. وبما أنّ المتصيّدين بالدولة الأمويّة وبما بعدها , كثر , وخاصّة “الفرس” عندما تغلغل كثيراً منهم بين حنايا تلك القلّة بوقت مبكّر ما أن اسشعروا أنّ تلك القلّة معوّل عليها لتنفيذ مآربهم لاستعادة مُلكهم الّذي أسقطه من بين أيديهم العرب “الأجلاف” !  , خاصّة وأنّ “كلوب العرب فطيرة” كما يقال ! , والفرس خبراء في العموم من سلوك العربي ولهم خبرة في مزاجه الشخصي .. ألم تكن “داحس والغبراء” صناعة فارسيّة ! , فعملوا على مدّ يد العون “للشيعة” و”إنقاذهم” من ” ظلم بني أميّة” .. والفرس في ذلك الوقت ساعون بقوّة ماسكين بتلابيب “الرافظة”, فعن طريقهم وحدهم , باعتبارهم من صلب قبائل العرب , بإمكانهم الوصول إلى رأس نظام الحكم متنكّرين بنصرتهم لذرّيّة علي زين العابدين وغيره من ذراري الآل , وبالتالي إزاحة رأس النظام الأموي والتربّع على عرشهم لحين ما يثبّتون أنفسهم جيّداً في الحكم فيعلنوا مملكة فارس الثانية ! .. فأخذ الفرس يغذّون روح التمرّد لدى “الشيعة” بسعي محموم وفق ما يعتقدون بنوع التمرّد الّذي يجب أن يكون ! بعدما مهّدوا الطريق بقتلهم عليّ بن أبي طالب على يد “ابن ملجم” وهو من المَوالي أي من الفرس , بعدما تخلّصوا من عمر ومن عثمان وألقوا تبعة تهمة مقتل هذا الأخير برأس شخص من المستضعفين “اليهود” اختلقوها من بينهم لخبراتهم العميقة بالعرب  أنّهم سيؤيّدون التهمة باليهودي تلقائيّاً وفوراً بمجرّد ما يسمعون بأنّه هو من قتل عثمان ومن دون تحقّق كما يتعامل العرب اليوم بأيّ اعتداء بحقّهم لابدّ ويكون ورائه “ابن سبأ” ! , يعني يهودي !  فيصدّقون فوراً ! .. وبما أنّ الفرس يحملون تراثاً سياسيّاً وحضاريّاً كبيراً لن يعجزهم أن يغيّروا في “المال السائب” الّذي سرقوه , أي “الروافض” ! , فاستثمروا ذلك “المال” أحسن استثمار مع مرور الحقب والقرون وتداولوه فيما بينهم إلى أن أوصلوا الاعتقاد بـ “عليّ” وبآل بيته بنظر محبّيه إلى مصاف الأنبياء والرسل بل أكثر ! “تخريجات وببلاش !” , فباتوا يطلقون على أيّ من آل البيت  “صلّى الله عليه وسلّم” بينما بقي لقب عيسى “عليه السلام” فقط ! , ثمّ أوصلوهم إلى مرتبات  الإلوهيّة بالعصمة  “تسأل أيّ شيعي بذلك يجيبك لا لا لا أنت متوهّم شوف غيرهه !” وعملت فيهم مثل هذه الانحرافات , كالتأليه , على الضعف ذاته الّذي أصاب فايروسه المعتقدون  بـ “عمر” حين أفرغوا غيرتهم ونخواهم وجنّدوها لطماً وعويلاً وصياحاً وعناداً  في آل البيت , وأفرغوا بأقاويلهم عليّ وآل بيته من مضامين الآدميّة والبشريّة والشجاعة الذاتيّة الّتي كانوا يتمتّعون بها بما تتناسب وتكوينهم الجسدي البشري , وجرّدوهم من القدرة على “الفعل” إلى التوجيه عن بُعد ! حيث لا إرادة لديهم بل مسيّرون من السماء !! “أحلام وجبريل” و “توريث نبوّة” وما إلى ذلك فابتعد الكثير من المستشيعين “وهي برأيي الصفة المناسبة لمثل هذا المبتعد لتطهير التشيّع الحقيقي من أدرانهم” بسبب ذلك عن الممارسات الأخلاقيّة الصافية لآل البيت .. واستمرّوا بالمغالاة إلى أن بدأوا يعلّقوا صورهم المُتخيّلة عنهم في ذاكرتهم أوّل الأمر ثمّ في بيوتهم وفي محالّهم التجاريّة بعد ذلك واتّخذوهم عناوين استرزاق مثلما يفعل المتسوّل في المقابر , فكانوا عناوين للفنادق وللمطاعم “كباب ولاية علي مطعم أمير المؤمنين صياغة الغدير فندق آل البيت! وغير ذلك من هرطقات .. لذلك , وبعد أن عجزوا عن الوصول إلى مبتغاهم في حكم المسلمين على طريق  ما وصل إليه غيرهم من القلّة إلى الحكم مِن من هم مسطّرة أفعالهم الحقيقيّة الذاتيّة في السجلّ البشري , وذلك بسبب أعباء الحمل التلفيقي الفارسي الثقيل الّذي ألصقه الفرس الأوائل والحاليّون بالتشيّع النقي وبسببه لم يصل المستشّيعون إلى حكم المسلمين طيلة عهود التشيّع , إلاّ بقوّة أخرى توصلهم إلى السلطة ابتدأت “بعبد الله السفّاح” , وأعني بتلك القوة الفرس , ومن ثمّ أوصل التحالف الصليبي الغازي لبلاد المسلمين “الفاطميين” لسدّة الحكم ليكونوا على الأقلّ , عامل إشغال لبغداد وضربها في الصميم بمعالجة قوّتها “بحكم شيعي مكروه” !  وهذه الّتي نحن فيها الآن آخرها حين أوصلهم “الصليبيّون” للمرّة الثانية  لحكم العراق .. و “الأعباء” الثقيلة  الّتي عنيتها ليست خاصّيّة للمستشيعين فقط .. بل هي أيضاً فعلت فعلها في المتمسلمين  من “السنّة” حين أثقلوا في الصلاة وأكثروا منها , فعزف الكثير من الناس , سنّة وشيعة ومسيحيّون , عن الالتزام الشعائري مخافة أن يصيبهم الكسل والوقوع في العُقد ! وبالأخص الفرع “السلفيّ” خاصّة بعد نجاح الغرب في ركوب ظهر المغفّلين الجهلة منهم المعتقدين بالجهاد بسوء تقدير فاسقط الغرب الاتّحاد السوفييتي بهم! فأثقل السلفيّون من العبادات وركعاتها زيادةً على ما سبق “بالنوافل” حتّى اعتبروا من  لا يؤدّيها ليس على سنّة النبيّ ! لحد ما وصل بهم الأمر أن اعتبروا “وهو مدد مستشيع لهم” أنّ من لا يؤمن بظهور المهدي خارج عن الملّة , أي مرتدّ عن الدين! ومن نتائج العقليّة المنحرفة انحرافهم الكارثيّ بأصول “الجهاد” .. !

أولويّات الاهتمامات عند “الشيعي” بعكس اهتمامات “السنّي” فجلّ اهتمام “الشيعي”  تثبيت معتقده السياسي على أساس معتقد مذهبي , فمنذ فترة ظهورهم كقوّة سياسيّة منذ ما بعد البعثة ولغاية اليوم  لا شغل للـ”شيعة” سوى انشغالهم السياسي في التخفّي أو في إيجاد السبل “لإسقاط الحكم”  ..  لذا .. وبسبب الضغط والمطاردة الّتي تعرّضوا لها طيلة مئات السنين لجأوا إلى كلّ من رأوا  فيه إمكانيّة البحث والتقصّي عن الموروث من الدين لمحاولة ردم  فجوات الفوارق المعرفيّة الدينيّة بينهم وبين “السنّة” , لذلك لم يهتمّوا بتدوين الموروث الإسلامي مثلاً  أو يتفحّصوه جيّداً  , لذا امتلأت أسانيدهم بكلّ ما لا يمكن الوثوق به .. وليس الذنب كلّه يقع على عاتق المستشيعون فقط في اللجوء للغلوّ في المعتقد  , بل في الفترات الّتي تلت عصر الترجمة من الاغريقيّة إلى العربيّة أسهمت  سنين الظلام العلمي بفتح أبواب الروايات والأحاديث الموضوعة على مصراعيها فاختلط  الغثّ مع السمين , وذلك ترك أثراً كبيراً في تلوين الموروث الديني “السنّي والشيعي” على السواء بتلك الأطياف المتشكّلة من الأسانيد السائبة في معضمها خاصّةً الموروث الشيعي الّذي كان مهيّأً أصلاً لتقبّل مثل تلك المستجدّات الغريبة في كثير منها عن الدين الحنيف , خاصّةً وأنّهم كانوا على تواصل تام مع “السنّة” في المساجد إذ لم تكن هنالك في حياة المسلمين جميعا شيئ اسمه حسينيّات ! , كان للدخيل على العقيدة الإسلاميّة بين أوراق الحافظة “السنّيّة” المتأخرة دورٌ كبير في فتح أبواب المبالغات بشكل أوسع امام المستشيعون  , منها ما بات اليوم مشاعاً بين “السنّة” من مثل : أنّ “دجاجة أمّ الدرداء الّتي باركها الرسول قد أشبعت جميع المسلمين المتعبين بحفر الخندق” ! .. أن الرمل أصبح  ماءاً يجري بين أصابع الرسول ما أن لمسه ! .. أنّ الشجر والحجر كان يسلّم على رسول الله حين يمرّ من أمامها فيردّ التحيّة عليهم ! .. بعد أن ذهب ؟  قال رسول الله لصحابته الجالسون من حوله : أتعلمون من كان الرجل المتّشح بالبياض الّذي كان جاثياً على ركبتيه بين يديّ , قالوا ألله ورسوله أعلم , قال لهم إنّه جبريل جاء يعلّمكم دينكم ! .. الخ ممّا امتلأ بأقاويل غيبيّة غريبة عن دعوة العقل والبصيرة وبعيدة عن “إنّ الله سريع الحساب” الّتي امتلأ بها القرآن ..

وفق كلّ ذلك فلا مانع أن يدحس المستشيعون بعدما فتح لهم الباب على مصراعيه في العصور المتأخّرة “أهل السنّة” بما يحلوا لهم من ادّعاءات لم يكن الشيعة أيّام جعفر الصادق على علمٍ بها ! , كما كانت  فرصة كبيرة في الإثخان بآل البيت بكلّ ما بظنّهم رفيع الشأن علّهم يرتقوا بهم إلى قوائم عرش الرحمن ! , من مثل رجوع الشمس من المغرب إلى العصر بعد أن أدركت الشمس أنّ عليّاً فاتته صلاة العصر ! وأنّ عليّاً بالكاد رفع حجراً صغيراً بالكاد وصل إلى مستوى صرّته فشكى ضعفه البدني إلى الرسول فأجابه : أبشر .. أنّك يا عليّ رفعت نصف الكون بسمائه وبأقماره وبكواكبه وبنجومه دون أن تعلم ! .. وغيرها الكثير طبعاً ومن الصعب تسطيرها هنا جميعاً لكمّها الهائل .. !

من حافظة أوراق المسلمين “السنّة” , أن “صلّى الله عليه وسلّم” , ثبّته “السنّة” بحق الرسول بعد موته , هكذا هو الأصل , وتجّنبوا تعميمه على من خصّهم القرآن بهذا “الامتياز” وذلك لإضفاء روح الحضور المعنوي الدائم للرسول بين المسلمين , رغم أنّه لقب مشاع ولا غلو في استخدامه  إذا ما تمّ إطلاقه على أيّ مسلم كان أو مسيحي أو من أيّة ملّة أخرى كانت ومن أيّ توجّه ديني كان كما نصّت الآيات الّتي تقرّ بذلك ( يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبّحوه بكرةً وأصيلاً هو الّذي يصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور )  , فالدعاء رحمة لكلّ من عنيهم وليس شيئاً غيبيّاً كما يظنّ البعض ! بإمكاننا أن نطلقه على أيّ راغب في عبادة الله حقّ عبادته دون لغط أو شكّ , فهي بالتالي لا تقتصر على آل البيت وحدهم مثلما يحلو لبعض المستشيعين إطلاقه , فصحابة رسول الله بإمكاننا ان نطلق عليهم هذا “الدعاء” وعلى أنفسنا أيضاً في ظروف خاصّة  لا سامح الله , إن كنّا مؤمنين ( الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون “أولئك عليهم صلاة من ربّهم” ورحمة  .. الخ الآية )  .. دفعني للتطرّق لهذه النقطة الإلحاح في خصخصة هذا الدعاء وحصره في آل البيت من يضنّون انّهم أتباعهم حتّى بات وكأنّه أمراً شبه مفروغاً منه وخاصّة ما تروّج لذلك القنوات الدينيّة المستشيعة , ظنّاً منهم وجهل يعلوه صدأ طائفيّة سوداء قائلين : أنّها ما دامت خاصّة بالرسول لابدّ وستخصّ آل بيته أيضاً , يريدون ان يقولوا آل البيت “أنبياء” لكن لا يصرّحون بذلك علناً الآن ولغاية ما أن تصبح إيران نوويّة ! ..

 وبحسب هذا التوجّه الّذي تكثّف في العقود الأخيرة من السنين ينبّأ وكأنّ هنالك أمراً ما يحاول القائمون على هذا “المذهب” تهيأة عقول أتباعه به لتليينها وعمل المساج لها لتقبّل “فكرة” أعمق من هذه كثيراً قادمة لا محالة ربّما اعلى من درجات النبوّة تُعلن مع انتصارات إيران القادمة بقوّتها النوويّة ! .. نبّهني إلى التطرّق لهذه النقطة “صلّى الله عليه وسلّم , السيّد الشطري مؤخّراً , حين قال في سياق مقالٍ له “السيّدة فاطمة الزهراء صلّى الله |عليها| وسلّم” .. والسيّد الشطري بما قرأت من الناقدين له في كتاباته الأخيرة يذكّرني انقلابه المفاجئ بحكاية :

تُحكى أنّ ثلاثة أشقّاء , لإثنان منهم “عيسى وموسى”توجّهات دينيّة متشدّدة , أمّا ثالثهما واسمه “شلتاغ” فذو توجّه بعكس أخويه وكثيراً ما كان يستهزئ بما يقومان به من شعائر لم يمارس أيّة شعيرة دينيّة طيلة حياته وكان شرساً “شقاوة” يبتزّ الآخرين .. كان أخويه كثيرا النصح له بترك “المعاصي” وممارسة الشعائر , لكنّه يمانع .. وذات يوم .. وبعد حادثة كادت تذهب بحياة شلتاغ امتثل أخيراً لنصائح أخويه بترك طريق الشرّ ويتّجه للعبادة فاغتسل .. فرح أخويه بذلك .. ولمّا حانت صلاة الجمعة وخطبتها طلبا منه مرافقتهما لها .. جلس الثلاثة بين جمع المصلّين في المسجد .. صعد الخطيب المنبر وشرع بخطبة الجمعة  فألقاها كما عتاد وكان موضوع الخطبة صادف أن يكون في سياقها ذكر عيسى وموسى استشهد بالنبيّين كتوثيق للموضوع الّذي ألقاه . . وانتهت مراسيم الجمعة وذهب كلاً إلى بيته مع  علامات استفهام وتعجّب أصابت رأس”شلتاغ” عن السبب الّذي دعا الخطيب لذكر أخويه دوناً عنه! .. أضمر ما نوى فعله في نفسه ولم يخبر أخويه بما سيفعل .. ولمّا حانت ليلة الجمعة , الخميس , انتظر شلتاغ حلول منتصف ليلها .. تسلّق جدران بيت الخطيب حاملاً معه سكّيناً إلى أن وصل أخيرا غرفته والظلام شبه تام فيها , باغت شلتاغ الإمام بقفزة من الخلف وسحب رقبته بين ذراعيه واستلّ سكّينه واضعاً نصلها على حنجرته والإمام هلع ترتعد أوصاله موجّهاً له كلامه : “إسمع لك .. إنته ليش ذكرت بخطبة الجمعة اللي راحت عيسى وموسى وما جبت طاري إسمي بالخطبة” .. هنا تكلّم الشيخ بصعوبة وهو يكاد يختنق ونصل السكّين يكاد يغوص في حنجرته ورجليه تترافسان قائلاً : يمعوّد عوفهه الحنجرتي راح تذبحني وأموت ؛ إنته شسمك ليش .. فاجابه : اسمي “شلتاغ” ,  فقال له الإمام وصوته يتقطّع وأنفاسه تتثاقل .. صار عيني شلتاغ تتدلّل إسمكم الكريم باجر أذكره بالخطبة لأن نسيت أكوله بخطبتي ذيج  سامحني عيوني شلتاغ وعهداً عليّه إلاّ ألبلب إسمك تلبلب بس يجي باجر بس فكّ ياخه عنّي مو راح تموّتني .. أطلقه شلتاغ وذهب سريعاً دون أن يدع الإمام يعرف من هو .. ولمّا باشر الخطيب بإعادة إلقاء خطبته للجمعة الماضية وشلتاغ جالساً بالقرب من أخويه .. وعند ذكره عيسى وموسى أرفقها بشلتاغ ! .. هنا “تنحنح” المتنحنحون لمّا يكون الخطيب في موضع خطأ ما ممّا اضطرّ الخطيب لكثرة التنحنح الّذي يسمعه من جموع المصلّين فيعيد ما قاله مرتبكاً بينما شلتاغ يبتسم فرحاً , هنا صاح به الجمع الحاضر بأعلى أصواتهم استنكاراً على هذا الكفر المباح الّذي أقدم عليه شيخهم  .. فأجابهم الخطيب صائحاً بأعلى صوته : ياااااامعودييييين هاي آية نزلت عليّ البارحه بالليل .. !
فالسيّد طالب الشطري بحسب ما علمت من مواضيعه الأخيرة الّتي ملأت موقع أو مدوّن “كتابات” ينشر مقالاته المثيرة للجدل وفق حرّيّة التعبير الّتي يتّبعها الموقع طالما أنّها لا تمسّ الاخرين بالشتائم أو تغوص عميقاً في خرق ثوابت الإنسانيّة , رغم أنّ ما يطرحه الشطري تمثّل عين الصراحة الّتي تنقص الكثيرين .. ولا أدري هل أنّ السيّد الشطري ينشر في مواقع أخرى أم لا .. وقد لوحظ من الكثير من المتابعين أن كتاباته تتطارد مع ازدياد التفجيرات مؤخّراً في العراق .. ولعلّ أشد ما أثار الامتعاض في كتاباته من قبل الاخرين برأيي الشخصي صراحته في إعلانه من خلال ما يكتب عن توجّه جديد طرأ عليه دفعةً واحدة , بمبرّرات , منها ما كان محقّاً فيها وخاصّة التكالب العربي الغريب  على إيران وترك “إسرائيل” .. والغرابة هنا ليست بتبريراته فقط بل الغرابة في الميل المفاجئ لإقناع القارئ بصحّة جميع ما يطرحه “الشيعة” من ممارسات ! .. لربّما أدرك متاخّراً السيّد الشطري من أنّ هذا الزمن زمن المستشيعون , مع انّه سيدرك لاحقاً  أنّه ليس زمن “الشيعة” , ولكنّه تأخر في استيعاب ذلك فانتفض فرحاً كالمندفع فجأة وأطلق بكلّ ما كان مكبوتاً في داخله , في حين أن بقيّة المستشيعون أدركوا كلّ شيء مبكّراً فانتفظوا يطرحون ما مكبوتاً فيهم سيلاً جارفاً في ساحات ممارسة الطقوس الدينيّة وفي الحياة العامّة بكلّ ثقة وبكلّ جرأة  وصل الأمر إلى حدّ طرحهم طقوساً وشعائراً لم يطرحوها سابقاً “قبل احتلال العراق” ومن معتقدات اتّسمت بالغرابة والإثارة , بحيث , وأنا ابن مدينة الديوانيّة , لم تمرّ عليّ سابقاً وانا صبيّ رغم شغفي بالتشبّه مع أقراني من هم بعمري بتلك المناسبة “عاشوراء” وانتظر توزيع زردتها الشهيّة !  وفرحاً بألوان “الشمر” الحمراء وأفزع من الألوان الخضراء لارتباط اللون بانسكاب الدماء عليه !.. ولذا .. أشكّ كثيراً بالسيّد الشطري صمته عن الإجابة رغم انقلابه المفاجئ الواضح للعيان سوى أنّه قد تعرّض فعلاً “لشلتاغ من نوع خاص” ! فعاود طريق الكتمان بعدم إبلاغ القرّاء عن الجهة الّتي وضعت نصل السكّين على حنجرته فغيّرت أحواله الكتابيّة  .. ! .