أوافقُ رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني تماماً في ما أبلغ به وكالة رويترز منذ أيام بشأن الشعور بخيبة الأمل حيال مصير ما أسسه دستور 2005 لشراكة العرب والكرد في إدارة الدولة العراقية…. ولكن.
السيد بارزاني ذكّر بالخروق من جانب الحكومة الاتحادية في بغداد، وبخاصة لجهة عدم الالتزام بالدستور وبالشراكة التي تأسست عليها العملية السياسية في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003 ، وقال موضّحاً إنه “لمدة 14 سنة كنّا ننتظر ونناقش هذه الشراكة، لكن دائماً ما كان يتمّ إبلاغنا بأن الوقت ليس مناسباً أو أن التوقيت غير مقبول، وسؤالي هو: متى يكون الوقت مناسبا؟”.
لا أظن أن السيد بارزاني غافل عن أنه بموازاة السياسة التي انتهجتها حكومات ما بعد 2003 حيال حقوق الكرد الدستورية كانت ثمة سياسة مشابهة تماماً حيال حقوق العرب وسائر المكوّنات العراقية المنصوص عليها في الدستور.
نحن العرب الذين كنّا ولم نزل نضغط على هذه الحكومات للالتزام بأحكام الدستور وتطبيقها، كنّا نُواجَه في الغالب من الطبقة السياسية المتنفّذة في بغداد بالتجاهل وعدم الاكتراث، وفي أحسن الاحوال كان يُقال لنا ما يُشبه ما كان يسمعه السيد بارزاني وسائر ممثلي الكرد: الوقت ليس مناسباً، أو التوقيت غير مقبول!.. وبقينا نطرح سؤال السيد بارزاني نفسه: متى يكون الوقت مناسباً؟”.. وبعد أربع عشرة سنة لم يبلغنا أحد متى يكون الوقت مناسباً لاحترام الدستور ووضع أحكامه كلها ، من دون تجزئة أو انتقاء، موضع التنفيذ.
الطبقة السياسية المتنفذة هذه كانت لديها حجة جاهزة لتأجيل الوفاء بالاستحقاقات الدستورية والسياسية، هي الإرهاب… وكما يعلم السيد رئيس إقليم كردستان فإن هذا الإرهاب هو، في الجزء الأعظم منه، من صنع يد هذه الطبقة.. فسادها الإداري والمالي ونقص وطنيتها هما ما يقفان وراء انفلات أعمال الإرهاب في البلاد، ووراء هذا الخراب العميم الذي جعل من العراقي، بمختلف قومياته وأديانه ومذاهبه وعقائده ومناطق سكناه، مهدور الكرامة ومُنتهك الحقوق.
السياسيون الكرد الذين هم جزء من هذه الطبقة السياسية المتنفذة لا يُمكنهم بطبيعة الحال التنصّل من مسؤوليتهم في هذا كله. كنّا قد علّقنا الآمال العريضة على أن يكون لممثلي الحركة القومية الكردية في مؤسسات الدولة الاتحادية، البرلمان والحكومة، دور فعّال في الوقوف بوجه المتنفذين الفاسدين في بغداد، بيد أنهم خيّبوا آمالنا وآمال الكرد، مثلما خيّبها ممثلو ائتلاف “العراقية” (لاحقاً “الوطنية) وسواهم، في التصدّي لكل مظاهر التجاوز على الدستور الذي جعلت منه الطبقة السياسية المتنفذة ممسحة، فلم يعملوا على تشريع القوانين الواجب تشريعها، ولم يلغوا القوانين المتوارثة من عهد نظام صدام الدكتاتوري الذي أسقطَ شكلياً في التاسع من نيسان 2003 فيما بقي يحملنا بقوانينه التسلطية المناهضة للديمقراطية والحريات العامة وحقوق الانسان، ولم يتّخذوا موقف المعارضة عندما كان الأمر يتطلب المعارضة .. لو أنهم فعلوا ذلك لكان الكرد، وكنّا معهم، الآن في حال غير الحال التي يشكوها السيد بارزاني، ونشكوها نحن أيضاً بمرارة أشدّ.