هل نستطيع القول أننا كمسلمين تعلمنا على يد الأجيال المعاصرة التي سبقتنا مفاهيم الحياة بالمقلوب ؟ كيف لا ؟ والعنف والقسوة والاضطهاد والسرقة وباقي تلك الصفات السلبية كانت حاضرة وبثبات خلال سنوات حياتنا التي عشناها حتى أصبحت كالخبز الذي نقبل على تناوله نحن يوميا غير مخيرين فيه بغض النظر عما يحتويه من مواد وعناصر وربما حتى على شوائب قد تدخل في صناعته الأولية قبل وصوله ألينا بصورته الحسنة و النهائية , كنا صغارا حين تعلمنا أن ديننا هو دين الرحمة وهو عنوان السماحة والعطف وهو بدون أدنى شك هو ذلك اليقين الساطع كأشعة الشمس الصفراء التي لاتحتاج عادة لتعريف أو عنوان , فالمشكلة ليست بالدين نفسه وانما بالفئات التي تتحدث باسم الدين دوما ! وتلك مشكلة كبيرة ليست حصرا على الدين الاسلامي فقط بل هي سائرة على بقية الاديان , فلكل دين رجاله بالاضافة على الدخلاء عليه .. يحضرني دوما قول معلمي لدرس مبادئ التربية الإسلامية في المرحلة الثانوية ” رحمة الله عليه ” منتصف تسعينات القرن الماضي حين قال لنا : أن الإسلام كالروح الجميلة التي من الممكن ان تجدها في كل مكان من هذا العالم , احد الزملاء استأذن ذلك المعلم للمداخلة فقال له : وهل يوجد الإسلام في أمريكا ؟ كان ذلك السؤال كالصاعقة الكهربائية المميتة لذلك المعلم المسكين والذي أتذكر عنه استقلاليته التامة في ذلك الوقت عن أي جهة حزبية او سياسية , باتت على وجه ذلك المعلم معالم الانزعاج المرتبطة بالخوف والحذر الشديدين , فهو في موقف لايحسد عليه تماما والسبب ان أمريكا كانت بالنسبة للنظام الحاكــــم ان ذاك عدوا مباشرا له, وان كل عراقي كان يتحدث عن أي محاسن قد تحمله تلك البلاد البعيدة عن دجلة والفرات ولو بالصدفة فسيكون نصيبه الملاحقة والتعذيب وربما حتى الإعدام , و في ذلك العمر الصغير ايقنت تماما مدى الموقف الرهيب الذي قد
أوقع به معلمنا الطيب بمداخلة من زميل كنت واثقا تماما انه لايعرف معناه في ذلك الوقت من الزمان , كنت متوقعا حينها من ذلك المعلم انه سيهرب من إجابة ذلك الزميل خوفا على نفسه من المسائلة , لكنه اثبت لي ولغيري مدى الشجاعة التي امتلكها في ذلك الوقت الصعب فأجاب بثقة وثبات حين قال لنا انه قد عاش لعشرة أعوام في أوربا فوجد الإسلام حاضرا وبقوة حتى من بعض الأوربيين أنفسهم فهم رحماء حتى مع الحيوانات فهي بمنظارهم مخلوقات خلقت لتعيش لا لتحارب دون ادنى سبب ! انهم محبين للاخر كحب نفسهم لنفسهم , وتابع لنا قائلا انه يتذكر جيدا حين تعرض شخصيا لوعكة صحية وسط شوارع اوربا فيقول حين وقعت لم اسمع غير تسارع الإقدام بتجاهي في محاولة من جميع من في الشارع لإنقاذي او تقديم العون لي بدقائق معدودات , احتلت تلك كلمات الصادرة من ذلك المعلم القدير الذي أنتقل الى جوار ربه منذ سنوات في ذاكرتي قسطا كبيرا فاسترجعها بين الحين والاخر وانا ارى اوربا تقدم العون للعراقيين الهاربين من سفك الحياة ايام الحصار على العراق وفي كل فترة زمنية تقدم تلك القارة العون لنا كعراقيين خصوصا بين الحين والاخر , واليوم ونحن نعيش ايام هجرة البعض من العراقيين والسوريين وبإعداد لايستاهن بها على الاطلاق وكيف نقلت وسائل الأعلام المختلفة صور ترحيب مواطني اوربا للاجئين من شتى بقاع العالم العربي , ان موقف اوربا مع العرب والمسلمين موقف لابد ان يقابله الشكر والعرفان وان تتخلص حناجرنا واذهاننا من اتهام تلك الدول بالتهم المتنوعة فالانسانية كانت عنوان لتلك الدول بالنظر لقضايانا المتعددة , انا اعلم جيدا ان تلك الكلمات هي الحقيقة الموجعة لمن يريد اقناع غيره برؤى شخصية حصرية هو مقتنع بها تماما برؤيته الخاصة دون علم منه انها بعيدة جدا عن ثوب الحقيقة , وفي الختام اتمنى من شعوبنا العربية ان تتعلم ولو شيئا يسيرا من محاسن تلك القارة الاوربية وانا نحاول الابتعاد عن مساوئها فنحن نملك ايضا من المساؤى ربما اكثر واكثر منها دون ان نشعر فالقتل بدم بارد على سبيل المثال يعج في ارضنا من مشارقها لمغاربها
دون اسباب في بعض الاحيان ! ولابد الاشارة في الختام ان كاتب هذه السطور يعيش اليوم في بغداد وليس داخل اوربا ولكن كلمة الحق تقال في كل مكان وزمان .