حسنا فعل مقدم البرامج والأكاديمي والإعلامي المعروف الدكتور نبيل جاسم ،بالإعتذارعن رئاسة شبكة الإعلام العراقي،واصفا إياها ،بأن “الهواء فيها مسموم بالتجاذب الحزبي”،مضيفا”لقد حولتها الأحزاب الى حديقة وكل الأدوات الحقيقيّة للإصلاح غائبة !”.
وأزيد بأن كل إعلامي شريف ،وطني ، نزيه في العراق مطالب اليوم بأن لايقبل بأي منصب سياسي يعرض عليه ضمن عملية فوضوية ومحاصصاتية عارمة الى درجة كسر العظم أقل ما يقال في وصفها ما جاء على لسان بطل فيلم the godfather” المصنف كثاني أفضل فيلم في تأريخ السينما العالمية،المقتبس عن رواية “العراب”والحاصل على 17 جائزة في حكمتين رائعتين جاءتا على لسان مارلون براندو ،أو” فيتو كورليوني” ضمن أحداث الفيلم ، الأولى هي” الصديق يحب دائما أن يقلل من مزاياك، والعدو يبالغ في عيوبك” والثانية “وراء كل ثروة ناجحة، جريمة !” وهذا هو عين ما يحصل في فوضى العراق السياسية غير الخلاقة التي طبقت فضائحها الآفاق ، فصديقك وحليفك ينافسك على المناصب ويقلل من شأنك ومزاياك وهو على أتم الإستعداد لخيانتك والتحول الى صفوف خصومك وفضح أسرارك في أية لحظة حسب مقتضيات المصلحة ، فيما خصمك وعدوك يصنع من كل هفوة وزلة لسان تخصك ومهما تضاءلت أزمة سياسية كبيرة تعقبها مشكلة وجفوة أكبر لغرض الإبتزاز السياسي وخلط الأوراق على الناخبين ،ويصوغ من كل حبة مهما صغرت وكما يقولون “قبة” ليضع من جرائها العقدة في المنشار والعصا في الدولاب ،وكل جاه وثروة مفاجئة تتحقق لمن كان يبرى بظفره القلم ولكل سياسي حاف حتى الأمس القريب فستحوم من حوله لكثرة الفساد الشبهات !
ولاشك أن المنصب وفي حال القبول به على خلفية الإغراءات الكبيرة من شأنه أن يكمم الفم الشريف الصادح بالحق ويلجم الصوت المنادي بالاصلاح وينهي مسيرته كليا بما لايسمح له للقيام مجددا ولعب دور الوطني ثانية بعد تلطيخ رايته وتلويث صفحته البيضاء أسوة بسمعته ،مكانكم أيها الشرفاء هو خارج دائرة المناصب والمكرمات والتكريمات كلية بما يسمح لكم بالحديث والكتابة بحرية أكبر ومصداقية أوفر ووطنية أكثر ،ورب سائل يسأل “ولكن كيف سيتحقق الإصلاح اذا ما ظل كل الشرفاء خارج المعترك السياسي؟ ” وأقول ” إن البعيد عن ذلكم المعترك والخارج عنه هو وطني مولود والداخل اليه حزبي مفقود لاسيما بوجود قناعة شبه تامة من خلال مجريات الأحداث السابقة والتي تؤكد بمجملها وبما لا يدع مجالا للشك بأنه لن يكون قادرا على تحريك بيدق شطرنج واحد بنية الإصلاح أو التغيير على رقعة لايمتلك زمامها ، وفي لعبة لا يمسك خيوطها ، وفي عملية لن يحسن إداراتها ، وفي ساحة لامجال لحرية اللعب فيها منفردا قط ،هو يعلم جديا بأن الإصلاح على يديه ولو بالنزر اليسير الموافق لتطلعات الجماهير لن يتحقق مطلقا داخلها بغير إرادة إقليمية ودولية وحزبية محلية متقاطعة تحركهم كلهم كبيادق ودمى لا إرادة لأي منهم مطلقا بعيدا عن رقعتها الجيو سياسية الا اذا تحول أحدهم الى ذيل رخيص وتابع ذليل لهذا الطرف أو ذاك ليصير بوقا رخيصا له مقابل الميزات والمميزات والمناصب والمخصصات !
أيها الإعلامي الوطني الشريف أيا كان إسمك ومهما كان عنوانك وتخصصك كن خارج الدائرة المشؤومة التي تتقاذفها الأهواء والمطامع والإرادات المتنافرة حتى لاتتلوث ، في الوقت الحالي على الاقل ، ولكي لايستثمروا وطنيتك ..شهرتك ..شعبيتك ..قلمك .. شعرك .. نزاهتك ..أدبك ..سمعتك لصالحهم ومصالحهم مع أنك لن تحظى بشيء يذكر مما تطمح اليه إصلاحيا ووطنيا في حال قبولك بالمنصب الا بموافقتهم وأنى لهم أن يوافقوا على إصلاح ماخربوه طيلة 17 عاما ، كل الذي سينوبك من تسنم المنصب ضمن عملية سياسية بائسة ومتهرئة بكل مفاصلها بشهادة القاصي والداني – ايها الوطني الغيور- هو ملامة وتوبيخ وتشويه السمعة من قبل الأصدقاء قبل الأعداء وكما يقول المثل المصري “يا داخل بين البصلة وقشرتها ،ما ينوبك الا ريحتها ” وطز بالمغانم والمكاسب مهما كانت فهذا هو فتات الدنيا وحطامها الفاني ومطمح المتكالبين عليها كقطط المزابل، والأصل هو في راحة الضمير ورضى الخالق العظيم والبقاء على العهد بالدفاع عن المظلومين والمهمشين والنازحين والمحرومين والذود عن حياض المسحوقين والوطن فضلا عن مواجهة المستهترين والفاسدين والمفسدين ليل نهار .
شكرا نبيل جاسم ..وعلى البقية الباقية أن تحذو حذوك سريعا ، ليكون الباطل كله في جانب والحق كله في الجانب الآخر، ليظل الزبد جفاء في ضفة ، وما ينفع الناس ماكثا في الأرض على ضفة أخرى من غير أدنى تداخل ولاتمازج ولا تزاوج من شأنه خلط الأوراق على أصحاب العقول النيرة والقلوب النقية والضمائر الحية والصحائف البيضاء ، وأعلم بأن إلحاق الوطني ،الانساني ،الشريف ،النزيه بعملية فوضوية أزكمت رائحة فسادها حتى أنوف المصابين بكورونا ممن يفقدون حاستي الشم والذوق كمتلازمة للوباء وعرض من أعراضه غايته أحيانا التلبيس على الناس وتنصيع صورتها الحالكة وتأنيق صفحتها القاتمة أمامهم ، فلاتكن رقما في معادلة تبييض الأموال والأحوال وتصفية الحسابات بين التماسيح والأفيال، كن في صف الشعب تسلم ..تكن في صفوف وتكتلات وأحزاب وتيارات الساسة وما أكثرها في الوقت الحالي تندم !
وبرغم فرحنا الغامر بقرار نبيل جاسم ، فقد أحزننا حدث جلل تمثل بإغتيال الخبير الأمني المعروف والمحبوب هشام الهاشمي ،بوابل من رصاص مجهولين يستقلون دراجتين ناريتين قرب منزله في منطقة زيونة ليصدح بالقول أنا وامثالي ” من لم يمت بكورونا مات بغدرهم ..تعددت الأسباب والغدر في العراق وكورونا واحد !
وهنا لايسعني الا أن أعيد نشر ما كتبه ،هشام الهاشمي، الذي ضجت الاوساط الشعبية والاعلامية بفاجعة اغتياله في سلسلة بوستات وتغريدات كان قد نشرها الفقيد على صفحتيه الشخصيتين في فيس بوك وتويتر قبيل غدره وعلى مدار سبعة أيام متتالية وكلها تتحدث عن الفساد والفاسدين والمفسدين والإحتراب فيما بينهم على المنافع والمغانم ولكأني به يردد المقولة التي نقلها الهاشمي شخصيا عن ابن الخطيب (( قام بكلّ بقعة مليك ..وصاحَ بكلِّ قرية ديك)) وكانت كالآتي :
* يُريد المغرر بهم إقناع فقراء الشعب العراقي بأن الحرب مع أمريكا والخليج هي حول مبادئ الكرامة والسيادة، وليس حول توزيع النفوذ والثروات …معظم تجار الحرب الصغار يمتلكون ثروات كبيرة جمعوها خلافًا للقانون، وأما كبارهم فهم مثل الديكتاتوريات يعتقدون ان كل العراق ملكهم وورثهم !
*مشكلة القوى السياسية التي خسرت مكاسبها باستقالة عادل عبد المهدي، أن معظم الخاسرين من الأحزاب السياسية، فقدوا قدرتهم على التفكير المتوازن.
*يؤجل السياسي الفاسد نقاش فساده لحين حل مشكلة السيادة، التي هي ليست مشكلة بدون فساده ، لولا فساده لما تسلط الأغراب على سيادة الوطن..
*أكثرُ الشباب الذين يطبلون للسياسيين الفاسدين هم باحثون عن فتات وبقايا طعام من موائدهم وأموالهم التي سرقها الفاسدون، لا يعرفون شيئا لحظة التطبيل لسلطة الفاسد، فلا ناقة لهم فيها ولا جمل. وإنّما أنفُسَهم يظلِمون.
*الفقراء الشرفاء يريدون التحرر؛ أما الأغنياء الفاسدين فلا يريدون إلا أسياداً يقبلون الرشوة ويخافون العدل.
*زيارة وفد الطاقة العراقي الى لبنان، كالغريق الذي يطلب الغوث من غريق اخر..
السياسي الذي لا يملك غوثا لوطنه العراق يبرر نكساته الداخلية بأخذ قرارت خارجية مخيبة للمنطق الاقتصادي.
*بين الهيبة والسيادة ضاعت حقوق ودماء وكرامة العراقيين، وذهبت أموالهم في جيوب الساسة الفاسدين.
*الخط الزمني لتغريدات بعض العراقيين المتنافسين على هاشتاك تويتر؛ هي سِلسِلةٌ من الانتقامات البذيئة والصخب السخيف، لا حديث يفهم ولا صمت يحترم..
*السياسي الفاسد حينما يقارن مع صديقه الشيطان، قد لا يبدو صديقه على ما هو عليه، ربما نقارن بين سياسي فاسد ومخلوق ورع.
*سياسي برلماني ينتمي لحزب عنده هيئة اقتصادية مستحوذة على منفذ حدودي وميناء بحري، يزعم ان بيته في البصرة بدون خط كهرباء المولدة الأهلية، ورع كاذب وكذب مكشوف.
*رئاسات الوزراء بعد 2005، يقسمون المشكلة الى مشكلتين؛
-مشكلة يعجزون عن حلها فهذه ليست عندهم بـ” مشكلة لأنها لا تحل”.
-ومشكلة لها حل لكنهم يختارون من الحلول أسوأها، وهذه هي المشكلة الحقيقية.
المشكلة الأكبر؛ كلهم يمتلكون الحلول قبل تسنم المنصب وعند تسنمهم المنصب يعجزون عن تنفيذها.
***صباح الخير .. صيف تموز ونكد الكهرباء.
تعريفي لوزير الكهرباء في العراق: إنه ذلك الذي عليه تحسس جسده كل صباح للتأكد هل اصابته لعنات الشعب أم لا.
#اما عن التغريدة الأخيرة على تويتر والتي كتبها الهاشمي قبل 50 دقيقة من إغتياله رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته فكانت :”تأكدت الانقسامات العراقية بـعرف المحاصصة الذي جاء به الاحتلال “شيعة، سنة، كرد، تركمان، أقليات، الذي جوهر العراق في مكونات.. الأحزاب المسيطرة “الشيعية، السنية، الكردية، التركمانية” التي أرادت تأكيد مكاسبها عبر الانقسام… الأحزاب الدينية التي استبدلت التنافس الحزبي بالطائفي.
وختاما أقول شكرا نبيل جاسم ..ووداعا هشام الهاشمي ، أخبر أخاك احمد راضي ،حين تلقاه هناك بما قيل في رثاء بغداد يوما على لسان شمس الدين الكوفي ، بعد غزو المغول لها :
قــف فــي ديـار الـظاعنين ونـادها … يـــا دار مـــا صـنـعـت بــك الأيــام
يـا دار أيـن الـساكنون وأيـن ذياك … الـــبـــهــاء وذلـــــــك الإعــــظـــام
والله مــا اخـتـرت الـفـراق وإنـمـا … حــكـمـت عــلــي بــذلــك الأيـــــــام
اودعناكم اغاتي