الجهود مشكورة تلك التي بذلها مؤخرا كل من نيكولاي ملادينوف الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق (اليونامي) ومسؤولي الاتحاد الاوروبي لاثناء اعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن استقالتهم الجماعية التي قدموها وذلك بعد خمسة ايام من تقديمهم لهذه الاستقالة احتجاجا على تدخل بعض الجهات الرسمية، وفي مقدمتها البرلمان العراقي ورئاسته، في عمل المفوضية ومحاولة ممارسة الضغط عليها وعلى أعضائها والتأثير على سير عمل المفوضية ما يقوض استقلاليتها. لقد ساهمت جهود ملادينوف والاتحاد الأوروبي في تجنيب العراق أزمة جديدة وهو البلد الذي يعاني من أزمات سياسية عديدة تعيق عملية التحول إلى الديمقراطية في فترة ما بعد القضاء على الحكم الدكتاتوري الاستبدادي لحزب البعث المقبور والمباد. ومع تقديرنا لهذه الجهود التي تبذلها أطراف من خارج العراق فنحن كعراقيين لدينا تحفظات كثيرة على تدخل اطراف خارجية في شأن عراقي صرف وفي حل المشاكل التي ينبغي للعراقيين انفسهم ان يحلوها من دون تدخل أي طرف من خارج الحدود. فالعراقي الحريص على استقلال بلده وسيادته وسيادة قراره الوطني لا يمكن له إلا ان يشعر بالاسى وهو يرى ابناء جلدته وبلده يغرقون في خلافاتهم إلى درجة تقتضي تدخل من ليس منهم في شؤونهم الداخلية وفتح المجال امام التدخلات الخارجية للمحيط الاقليمي الذي يضمر للعراق الشر لدواعي واسباب طائفية.
ومساهمة ملادينوف في حل هذه المشكلة تسلط الضوء على دور المنظمة الاممية في العملية الانتخابية في العراق منذ سقوط الصنم وهو دور فيه الكثير من الفصول السوداء التي تشير الى الدور الغير المتوازن والمنحاز الذي لعبته اليونامي في العملية الانتخابية مستغلة في ذلك دورها في تقديم المساعدة والخبرة الدولية للعملية الانتخابية لغايات واغراض دنيئة وطائفية وعنصرية. وذاكرة العراقيين عن الدور الاسود الذي لعبته اليونامي في انتخابات مجلس النواب العراقي لعام 2010 ما زالت غظة وطرية وحاضرة في الاذهان. لقد كشفت الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات الماضية عن الدور التآمري الذي لعبته الايادي السود في اليونامي، وهي وبكل اسف ايادي عربية طائفية ذات ميول بعثية، لمحاولة تمييل نتائج الانتخابات لصالح قائمة معينة وتوجيه ضربة إلى الحظوظ الانتخابية لقائمة دولة القانون وبالتالي العمل على قطع الطريق امام ولاية ثانية للسيد رئيس الوزراء نوري كامل المالكي، المجاهد ضد البعث الصدامي ابو اسراء. لقد قام يومها المستشار السياسي في اليونامي مروان علي الكفارنة، وهو فلسطيني طائفي معاد لشيعة العراق درس في جامعة الموصل بمنحة من النظام المباد، بحياكة المؤامرة مع مستشارة الدعم الفني في اليونامي في تلك الفترة والمدعوة ساندرا ميتشل للتدخل في البرامج الحاسوبية التي تحتسب الاصوات وتجري حسابات توزيع المقاعد في انتخابات مجالس المحافظات عام 2009 والانتخابات البرلمانية في عام 2010 مستغلين في مسعاهم الشرير ذلك ضعف المهارات الفنية لدى الفريق العامل في المفوضية في مقابل امتلاك طاقم الامم المتحدة لتلك المهارات للعمل على تزوير النتائج في محاولة دنيئة لرفع رصيد الكتل السنية في تلك الانتخابات واضعاف نتائج الكتل الشيعية وخصوصا كتلة دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي. وعندما طالب السيد رئيس الوزراء باعادة فرز الاصوات يدويا في بغداد عارضت اليونامي ذلك علنا وفي تصريحات علنية على لسان رئيس البعثة انذاك اد ملكرت وذلك بوحي من تلك الايادي السود الحريصة على الانتقام من شيعة العراق والحيلولة دون توليهم الدور المناسب لحجمهم ووزنهم العددي في العملية السياسية. وقد التقت في تلك المؤامرة غايات متعددة. فساندرا ميتشل كانت تعمل لصالح الامريكيين الذين كانوا يريدون وبضغط من دول الجوار العربية ان يحققوا في تلك الانتخابات ضربة للشيعة العراقيين وتضخيم نتائج القوائم السنية، والتقت في هذا الهدف مع الاحقاد الطائفية للمستشار السياسي في اليونامي مروان علي الذي مايزال بعثي الهوى والذي سعى إلى مساعدة بعض قدامى البعثيين ممن انضووا في القائمة العراقية على تحقيق نتائج انتخابية لم يحصلوا عليها عبر صناديق الاقتراع فعلا. والدليل على استمرار هذا الهوى البعثي عند مروان علي ليس مجرد دراسته بمنحة من النظام المجرم السابق فحسب. فهو اثناء عمله في مكتب اليونامي في عمان قبل سنوات وظف ضابطا سابقا في المخابرات العراقية وهو المدعو مؤيد الونداوي كمعاون له بحيث كان يقدم تقارير مغلوطة ومحابية للبعثيين للمنظمة الأممية.
ولذا فإننا اذ نشكر ملادينوف على جهوده التي ساهمت في تجنب الوقوع في ازمة سياسية جديدة نطلق صرخة تحذيرية من امكانية تلاعب ايادي السوء في اليونامي بغرض تزوير نتائج الانتخابات المقبلة لكي تأتي ضد السيد رئيس الوزراء نوري المالكي وقائمته وللتقليل من الحضور البرلماني الشيعي تحت قبة البرلمان العراقي المقبل. في زمن تكالب البعثيين والاعراب من الدواعش والفواحش ومجرمي الوهابية وتفشي احقاد الطائفيين العنصريين البعثيي الهوى في اليونامي وجهاز مستشاريها السياسيين لا يمكن لنا الا ان نكون على حذر. فالحذر في هكذا ظروف واحوال ومع متآمرين خبثاء من هذا الطراز واجب لا بل هو من اوجب الواجبات.