هل يعرف أحد لماذا لم تشارك الكتل السياسية التي ادعت أنها مع إلغاء رواتب البرلمانين والوزراء والدرجات الخاصة في تظاهرات اليوم؟ ،
هل يعرف أحد لماذا لم يشارك مقلدو المرجعيات الدينية (السنية والشيعية ) التي طالبت بإلغاء الرواتب التقاعدية ؟ اتعرفون لماذا ؟ الجواب باختصار لغياب مفهوم المواطنة .
تعرف المواطنة في ادبيات العلوم السياسية بانها الانتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط اجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة معينة.
ولااتردد بالقول لو قلت أن غالية العراقيين فقدوا الشعور بالمواطنة التي تبنى عبرها الشعوب والامم ، فعلى سبيل المثال الذي يسكن في محافظة ذي قار لايهمه مايجري في محافظة نينوى والعكس صحيح تماماً ،
وصف المسؤولية الجمعية تحتضر ان لم نقل ماتت اصلاً يطابق الحال، فاصبحناً ننظر لكثير من الامور من باب مدى انتفاعنا منها لاانتفاع البلاد والاجيال وهذه كارثة الكوارث، فلو استمر انخفاض مؤشر المواطنة يقابله ارتفاع ملحوظ للمؤشرات الطائفية والمناطقية سنجدد في المستقبل القريب عراقاً متخلفاً بلا انتماء ولا روح .
يخرج العراقيون للتظاهرات بقوة في حال دعت لها مرجعيات دينية لمطالب طائفية أو دينية أو حتى تأريخية وهذا ليس عيبا ً ومن حقهم، فالدستور العراقي كفل حق التظاهر لاي سبب كان مادام سلميا ً واصولياً لكن المصيبة أن لايخرج هولاء للتظاهر عندما تكون دوافع التظاهرة وطنية بحته تعبر حدود الطائفة والدين والمنطقة .
التظاهرات المطالبة بإلغاء رواتب النواب والدرجات الخاصة والوزراء والمحافظين واعضاء مجالس المحافظة والدرجات الخاصة الضخمة لم تدعو إليها جهة سياسية بل كانت مطالباً شعبية روجت لها شخصيات مدنية ودينية وحزبية واكاديمية .
كانت تلك المطالب تريد ان تقول للنواب الاغنياء أن الشعب الذي انتخبكم يراقبكم ولم يغض النظر عنكم ، وهذه ميزة هذه التظاهرات التي نجحت في تحقيق بحسب تصوري ابرز هدف وهو تنمية الشعور الوطني وتفعليه من جديد .
هذه التظاهرات سواء حققت مطالبها ام لم ستساعد في العودة إلى العقل الجمعي ومن شانها أن تنتج مواطناً فعالاً وليس خمولاً أو ثرثار،فلايكفي مثلاً انتقاد البرلمان أو الحكومة عبر صفحات الفيسبوك أو الجلسات الاجتماعية مالم يرافقه عملاً على ارض يتوافق مع الدستور العراقي.
قد يقول أحد النواب المتخمين بالاموال أن هذه التظاهرة لم تحقق شيئا ً وأنها كانت هباء منثورا ونار كانت بردا وسلاماً على النواب السابقين واللاحقين، لكن العبرة ليست في التظاهرة بل فيما بعد ذلك وهو تعزيز المواطنة قولا وفعلا ً بين العراقيين وتحقيق مشروع تنمية الشعور الجمعي الذي تفكك في السنوات الماضية نتيجة تصرفات غير مدروسة واخرى مقصودة للكتل السياسية سعت جاهدة لتنمية الشعور الطائفي على الشعور الجمعي .
إعاد المتظاهرون مرة آخرى الشعور الجمعي وحفزوا عليه لعل هذا المشروع يكتمل ليكون هو السائد في المجتمع العراقي بدلا ً من كل الثنائيات الاخرى فليس امامنا الا ان نشكرهم بمختلف تنوعاتهم الفكرية والمذهبية والدينية .