لأول مرة ، يعترف العراقيون من كل الاطياف العراقية ان الرئيس الامريكي بارك أوباما والقوات الجوية الامريكية وخبراءها في العراق ، كان لهم الفضل الكبير في تحرير أحدى أهم المدن العراقية وهي تكريت من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، ويعد العراقيون هذه المشاركة الفعالة ، انجازا كبيرا على صعيد اعادة بوادر الثقة التي تزعزعت كثيرا بين العراقيين والادارات الامريكية المتعاقبة!!
أجل ، فلولا الطلعات الجوية الاميركية الكثيفة التي سبقت تحرير تكريت بيومين أو ثلاثة أيام لم يكن بوسع القوات العراقية بمختلف مسمياتها دخول تكريت، بل ربما يعد تحريرها هذه المرة ، أنظف عملية تحرير جرت لحد الان ، إذ بقيت أغلب البنايات الحكومية في تكريت وحتى اكثر احياء الاهالي بقيت سليمة قبل ان تدخلها قوات الحشد الشعبي والعشائر ، لأنه ليس لدى الامريكان مطامع في هكذا ممارسات، ولم يستهدفوها بالحرق والتدمير من خلال ضرباتهم الا بقدر معالجات تحركات بشرية لداعش ، في حين تعرضت مناطق في ديالى وجرف الصخر بعد دخولها من قبل الميليشيات الى الحرق والتدمير ودمرت بيوت واحياء فيها عن بكرة أبيها، ولم يعد سكانها حتى الان!!
شكرا للبيت الابيض والبنتاغون والقوات الجوية الامريكية وللكونغرس ولمجلس النواب الامريكي لأن مسؤوليه تحرك ضميرهم هذه المرة، بعد سبات طويل ، واسهموا في تحقيق انجاز كبير في صلاح الدين، ولولاهم لبقي تحرير تكريت من الذكريات والاماني وقد يمتد لأشهر وربما لسنوات، ولفقد العراقيون أي امل بأن بمقدورهم تحرير الانبار ونينوى!!
واحدى فضائل هذا التحرير ان الامريكان اشترطوا عند مشاركتهم في هذه العملية ان لاتشارك قوات من الميليشيات في هذه المعركة ، وفعلا تم سحب قوات الحشد الى الخلف والسماح فقط للقوات العسكرية العراقية النظامية بدخول تكريت، بعد ان لم يتبق ولا داعشي واحد في احيائها المهمة، وكانت مشاركة القوات العراقية فاعلة بعد ان كانت مهمتها تقتصر على معالجة العبوات او الابنية المفخخة، ولم تجد قواتنا من يطلق عليها طلقة واحدة، عدا تدخل جهدها الهندسي في تفكيك الالغام والعبوات وتفجيرها، بل لم تدخلها قوات الحشد الشعبي الا بعد تحريرها بالكامل!!
لاحظ المشاهد تتكرر الان بعد دخول قوات الحشد الشعبي وحتى القطعات العسكرية وبعض قوات العشائر التي اشتركت في عمليات حرق وسرقات لبيوت ومقرات حكومية واخرى عائدة للمواطنين في تكريت، اذ لم يتبق ولا مدني واحد فيها، وعندما دخلتها القوات العراقية لم تواجه أية مقاومة تذكر، الا ماندر وفي حالات محدودة جدا!!
ومن سخريات القدر ان احدى المشكلات التي كانت تؤخر تحرير مناطق مهمة في العراق هو تنازع الزعامات العراقية في أعلى القيادة وفي كوادرها التي تليها في الاهمية بشأن كراسي السلطة وانهماكها في حياكة ونسج مؤامرات كل يستهدف الاخر، وكان الصراع بين قيادات المكون السني ، ربما تضاهي الخلافات بين قيادات المكون الشيعي، وان كانت الاخيرة ربما وصلت حد كسر العظم فيما بينها!!
لاحظ رئيس مجلس النواب سليم الجبوري يحاول قبل ايام الاستفراد في اظهار الصورة لنشاط قيادي شارك بها ائتلافه ( متحدون ) لتقديم التهاني لوزارة الدفاع بتحقيق النصر في تكريت، ولم يطق سليم الجبوري ظهور وجود بقية قيادات على مستوى رفيع شاركته المهمة ، ولم يشر اليها في بيانه الذي اصدره مكتبه من قريب أو بعيد عن قيادات شاركته المهمة وأطهر نفسه على انه الشخص الذي لاينازعه احد على هذه المكانة ، حتى وان كان لقياديين كبار الفضل في ان يصل الى هذا المنصب الذي يعده كثيرون اكبر من جسد سليم الجبوري على تحمل ثوبه العريض الذي ارتداه بينما لايتسع جسده المتهريء لهكذا ثوب يبدو عليه كبيرا ومهلهلا ، لكن الاقدار اللعينة وتنازع قيادات العراق فيما بينها كما يقول عراقيون استغربوا هكذا ممارسات انانية ضيقة ، هي من ارادت ان يتقلد هذا المنصب شخصية ضعيفة ، كانت تتعرض لاحكام قاسية من الطائفة الاخرى ، الا ان ( صفقة ) كبيرة عقدها مع المالكي إبان سعيه للولاية الثالثة ، هي من اوصلت الجبوري الى صدارة مجلس النوابـ ، في وقت كانت حتى عضويته في مجلس النواب تعد من المستحيلات، بعد ان وجهت له اتهامات شتى ، من بينها تهم وجهتها دولة القانون ، يحكم عليها بالمادة اربعة ارهاب ، كادت تطيح بالجبوري في مهاوي الخذلان ، ربما تقود رقبته الى مقصلة الاعدام ، ما يعيد بنا مثل هذه الممارسات مع المقربين من جماعته في قيادات المكون العربي ، صور تلك الانانية الضيقة التي إتسم بها سلوك هذا الرجل الغريب الاطوار ، وإن تنازع قيادات المكون العربي وعدم اظهار حالة التعاون والانسجام فيما بينهم تكاد تكون ظاهرة طبيعية بالرغم من ان جمهور مكونهم يعاني الامرين من حالات النزوح والتشرد ومحنة التهميش والابعاد ورفض العودة الى مناطقهم حتى بعد تحريرها ، بينما هم في بحبوبة من العيش الرغيد ويتقاسمون كراسي السطة فيما بينهم ، في وقت يطلبون من الامريكان تحرير محافظاتهم والصراعات بينهم تصل حد كسر العظم، بل ان نائب صغير ذو ماض سحيق استغل حالة النصر الاخيرة في تكريت ، ليكيل اتهامات ما انزل الله بها من سلطان ضد قيادي من بني مكونه، لمجرد اظهار هذا النائب نفسه للطائفة الاخرى أنه من يعمل على اشاعة الفتن والاضطرابات واختلاق الاكاذيب والافتراءات عله ينال رضى قيادات في المكون الاخر ، أو يشعرها بانه بحاجة لعظمة اكبر، لأن منصب (نائب) في البرلمان لم يعد يحقق مغريات ممن كانوا من ماض سحيق ووضيع وربما تاريخ لايسر، واذا باحلامه تتجاوز حدود كل منطق، حتى راح يوزع الاتهامات يمينا وشمالا ضد قيادي كبير من مكونه ليست له مبررات للخصومة معه اصلا ، وهو ، أي النائب المذكور يختلق الخصومة لمجرد ان يريد اظهار نفسه ان يسعى لتشويه سمعة شخصيات مرموقة على الجانب الاخر الذي يتسلى بالاعيبه وفبركاته عله يمنحه عظمة تسد نهم لوزته وجوعه وشراهة مطامعه، بعد ان كان مغمورا وجسده قد بانت عليه علامات الخور بسبب ضعفه وحقده وانانيته وغيرته غير المبررة ، وهو لم يكن سوى موظف بسيط في اطراف محافظة نينوى جاءت به الاقدار عن طريق الصدفة!!
اما قيادات المكون المحسوبة على التحالف الوطني فقد شهدت هي الاخرى صراعات رهيبة، ربما كان البعض منها مخفيا، لكن البعض الاخر ظهر الى العلن، فالسيد مقتدى الصدر المعروف عدائه للميليشيات الوقحة اعاد التأكيد على عدم اشراك قواتهسرايا السلام في اي جهد عسكري ان شاركت هذه الميليشيات فيه ، وهو قد حصد رضا المكون الاخر عن سلوك قوات سرايا السلام، كونها لم تمارس عمليات سطو وحرق وتنكيل بالمكون الاخر مثلما ارتكبته بقية الجماعات من ممارسات يندى لها الجبين!!
حتى رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ، حينما ذهب الى تكريت بعد النصر مباشرة ، ورفع العلم العراقي ، اراد ايصال رسالة قوية الى خصومه من قيادات نفس المكون، وعلى رأسهم المالكي والعامري، انه هو من حقق النصر بمساندة القوات الامريكية، التي دعمته بهذه المهمة، وهو لو لم يطلب من الميليشيات او قوات الحشد الشعبي التراجع وعدم المشاركة في تحرير تكريت قبل دخلولها لما تم تحرير هذه المدينة، اذ كان الفضل الاول للامريكان وليس لايران او قاسم سليماني او قوات الحشد الشعبي ، بل ان ايران وقاسم سليماني ربما واجها لطمة قاسية هذه المرة، لم يتعرضا لها منذ وقت طويل، وراحت قيادات في بدر تختفي خلف الواجهات لانها لم تشارك في هذه المهمة بعد ان رفض الامريكان مشاركتهم في هذه العمليات ، وراحوا يختلقون الاعذار عن انسحابهم هذا الذي اغاضهم كثيرا وحدثت خصومة كبيرة مع العبادي بسببه لولا ان حاول الرجل تداركها معهم ، وهو بالمناسبة ليس انسحابا بل اوامر تلقوها بالانسحاب، والا فالامريكان رفضوا المشاركة في ابادة مدينة، لو بقيت على يد الميليشيات فلن يتبق فيها بيت او عمران واحد ولأبيدت المدينة باحيائها واحرقت وفجرت عن بكرة ابيها،ومع هذا وبعد ان سهل الامريكان للقوات العراقية تحريرها، ودخلتها الميليشيات فيما بعد ، حتى عادت عمليات النهب والسلب والحرق والتفجير تعيد بنا مآسي ماجرى في جرف الصخر وديالى!!
شكرا لأوباما وبايدن وكيري ورؤساء مجلس النواب الامريكي والكونغرس والقيادات العسكرية الاميركية ومنهم بترايوس وقائد القوات المشتركة واخرين ممن كان لهم الفضل في تسهيل مهمة تحرير تكريت من داعش بضربات جوية انهت اسطورة داعش حتى هربت جميعها ، و المطلوب من الامريكان ايضا اعادة التأكيد على ضرورة مغادرة الميليشيات ارض صلاح الدين وترك اهلها يتحملون مسؤولية حمايتها بأنفسهم، قبل ان تقع الفأس في الراس مرة اخرى ويمارسوا ضدها عمليات ابادة وانتقام وحرق وسرقة لممتلكات المواطنين وبيوتهم بحجة البحث عن ضحايا سبايكر التي لم يتم العثور على ناجين منها أو جثث موتاهم حتى الان!!
كانت النظرة الى الامريكان من كثير من العراقيين على انهم محتلون لبلدنا منذ عام 2003 ، وسيطروا على مقدراته واستباحوا ارضه وكرامته لاكثر من ثماني سنوات او يزيد ، والان ربما غير العراقيون بعض هذه تلك الصورة غير السارة عن الامريكيين ، وان كان العراقيون متشككون بمواقفهم أزاء الامريكيين ، لكن اسهامهم في تحرير تكريت ربما حاول التخفيف من تلك الصورة المأساوية عن مسؤوليتهم بتعريض مستقبل العراق لمخاطر جمة، وهم يدركون ان الاميركيين هم كانوا قد شجعوا الميليشيات من شتى الانواع والملل لتعيث في ارض العراق خرابا وفسادا ودمارا ، وهي من راحت تتحكم في المشهد العراقي حتى الان، ويتمنى العراقيون ان تضغط الادارة الامريكية لإنهاء وجود هذا السرطان الذي يهدد مستقبل اجيال العراق ويعرضهم لمخاطر لاتبقي ولاتذر!!
الطموح الكبير الذي يراود مخيلة العراقيين هو ان يتم تحرير الانبار ونينوى باسرع ما يمكن، لكن الطموح الاكبر والأمل الكبير الذي يراود مخيلة العراقيين هو ان توجه الولايات المتحدة لطمة لإيران وتضع حدا لغطرستها وتهورها في المنطقة وان لاتبقى كثور هائج، يحرك هذه الجماعة او تلك في هذه الدولة او غيرها، تحت ذرائع طائفية مقيتة، وان العرب جميعا وليس العراقيين وحدهم ، عدا الموالين لايران ومن يعلنون الخضوع لها في الليل والنهار ، هم من تنفسوا الصعداء بعد ان اظهرت أمريكا العين الحمراء مع ايران وهم ، أي العراقيون من كل المكونات ، يتمنون في قرارة انفسهم لو توجه لهم امريكا ضربة قاصمة على رؤوس الحاكمين في طهران لتخرس السنتهم، وتضع حدا لطغيانهم واستهتارهم بمقدرات المنطقة، وقد فرحت دول المنطقة لأن ضمير اوباما تحرك هذه المرة وأزال حالة المخاوف والخور التي رافقته ، وما موقف الولايات المتحدة في مباحثات النووي الايراني في لوزان ، الا واحدا من هذه المواقف التي تريد افهام طهران انها ان ارادت تحريك ذيلها هذه المرة فان ادارة واشنطن ستقطعه، وان لم تتعض فأن رقاب الحاكمين في طهران سوف لن تسلم من العقاب، وقد تحرك شعوب ايران ضدهم، وتناصر تمردهم وثورتهم كما حرضت خميني على قيام ثورة ضد الشاه، وان التاريخ قد يعيد نفسه في ايران ولكن يطريقة اخرى ، أي ليس في الاتجاه الديني، بل في الإتجاه المضاد ، من خلال مناصرة القوى المحبة للحرية والسلام من شعوب ايران تلك الراغبة في العيش المشترك واحترام مصالح الدول والشعوب، والعراقيون والعرب جميعا ، بل شعوب الارض قاطبة يتطلعون الى ان تنهي الولايات المتحدة لعبة القط والفار مع ايران، وأن تسهم واشنطن في قصم ظهر طهران هذه المرةّ!!