قال لي نائب رئيس التحرير في “الصباح” يوماً ان حسن السلمان أبلغه: افصلْ أحمد عبد الحسين وستكون رئيس تحرير! كان هذا بعد نشري عمود 800000 بطانية، لكن الزميل النائب رفض. شكرته على نبله. وكنت أشك في الأمر إذ انني لست خطراً إلى الحد الذي يخشى أن يفصلني السلمان بنفسه وهو الذي يمشي وراءه حشد ويكثر وراءه خفق النعال ومعه حماية وحبربش وله من المال والسلطة والجاه والنفوذ ما لا ولن أملكه، فأنا مجرد شاعر “البعض يشكك في ذلك!” وصحفي يحب مهنته. لكن زملاء آخرين أتوا بعد الزميل النائب وأكدوا لي ان السلمان طلب منهم الطلب ذاته، لا بل ان كريم السوداني نفسه صرح لي: انهم يضغطون عليّ لإقالتك وأنا أرفض، ضغطوا على حميد قاسم وحاولوا إغراءه بمنصب رئيس التحرير “ذكر حميد ذلك على الفيسبوك أمس” لكن حميد شاعر “لا شكوك حول ذلك حتى من قبل أعدائه” وإنسان نقيّ السريرة والسيرة، وكان رفضه محتماً، فعلوا الأمر ذاته مع عبد الزهرة زكي ثم مع البيضاني فرفضا في موقف لا استغربه منهما.
بصراحة كل ذلك جعل مني مهماً في عين نفسي، لكني كنت أحار لم لا يفعلونها ويقيلوني ببساطة، مم يخشون، مم يخشى السيّد السلمان مثلاً؟ أول أمس فقط أدركت انها فعلاً مهمة عسيرة: أن تقيل صحفياً بلا سبب، أن تقطع رزق أحد لإرضاء دونيةٍ متأصلة فيك، لن يستطيع التصدي لهذه المهمة الشاقة إلا رجل سقطت قطرة الحياء من جبينه. رجل تصاغر في عين نفسه واعتاد أن ينفذ ما يربأ أن يباشره أيّ إنسان سويّ. ويبدو أن السيد السلمان وجد ضالته أخيراً. فبخّ بخّ له!
أقالني السيد الشبوط من عملي، ورغم الصغار والضآلة التي انطوت عليها مهمته لكني أجد نفسي مجبراً على شكره، اشكره من كلّ قلبي لأنه كشف لي أن ما كنت أبذره في صفحات الصباح أثمر حباً في قلوب أناس أغلبهم لا أعرفهم شخصياً، رسائل المساندة، واستنكار إجراء الشبوط، وتأييدي لم تزل تترى لي في ايميلي وتلفوني، صفحات الفيسبوك امتلأت بمقالات ورسائل داعمة لي، وكثير من صحف اليوم كانت تحمل أعمدة ومقالات تندد بغزوة الشبوط. وفي موقع كتابات الموقر كانت بعض المقالات التي أفهم لمَ اضطر أصحابها ـ خائفين ـ لكتابتها بأسماء مستعارة، لن يتسنى لي أن أشكر كل هؤلاء بما يستحقون لأنهم أثبتوا لي اني كنت ناجحاً في عملي واني كنت مقروءاً بأكثر مما كنت أؤمل وأرجو. فلهم شكري وامتناني.
لكن شكري الأكبر للشبوط طبعاً فهو فتح لي باباً أطل منه على معرفة محبة الناس لي، وقبل ذلك شكري للسيد حسن السلمان المحترم الذي أحسن الاختيار ولو متأخراً، فان تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي!
وهنا أودّ أن أوضح الحقيقة التالية:
أشيع ـ عن قصد ومن قبل أذيال الشبوط ـ اني أعمل للعودة مرة أخرى للصباح واني أوسّط زملاء لذلك، فأقول: لم ولن أوسط أحداً، ولن أعود للصباح مطلقاً تحت أيّ ظرف، قلت كلمتي للشبوط شخصياً في رسالة تلفونية، وإنْ كانت كلمة قاسية لكني أردتها صادمة وهو يستحقها، قلت له: طز! انتهى الأمر.