23 ديسمبر، 2024 7:28 م

شكراً لصالة الانتظار

شكراً لصالة الانتظار

جاء في الاسلام الدين المعاملة ,وفي الكتاب المقدس المسيحية روح وحياة .
تلك كانت بداية الحديث الودي والأخوي الذي جرى مع الأب (شليمون وردوني ) وهو معاون بطرياك الكلدان,راعي كنيسة مريم العذراء في شارع فلسطين ,الذي التقيته في صالة الانتظار بمطار بغداد الدولي قبل انطلاق إشارة الضوء الأخضر للصعود للطائرة المتوجهة الى الاردن ,لقد كان جالساً وهو يرتدي لباس الكهنوت وفي ورقبته سلسلة فضية يلوح من بعيد صليب فضي ناصع البياض,لم أتمالك فضولي عندما رأيته وحيداً جالساً منفرداً مع نفسه وهو يتأمل ويطيل النظر الى من حوله وبكل تواضع اقتربت منه وعرفته بنفسي وقلت له : أنني أخاك في الإنسانية وأنت اخي ,وبدون مقدمات قال لي : اجلس أمامي من فضلك وبكل احترام وتقدير جلست أمامه وتبادلنا أطراف الحديث.
ايها الاب الفاضل : المعاملة تعني العمل الحسن والطيبة مع الناس ومساعدتهم في قضاء حوائجهم, والابتعاد عن الحقد والأنانية,والفساد ,والغش والرشوة ,والكذب ,والنفاق,والعمل بروح المثابرة والإيثار في تقديم مصلحة المجتمع على المصلحة الشخصية ,والتواضع والبساطة في التعامل مع الناس دون النظر اليهم نظرت الانتقاص والازدراء .
ايها الاخ ثائر: وكما قال الرب في سفر التثنية (تث 8: 3)، وردده السيد المسيح ” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (مت 4: 4). لأن الخبز هو طعام الجسد. والإنسان ليس مجرد جسد، بل له روح. والروح تتغذى بكلام الله الذي هو في كتابه المقدس ,ففي الكتاب المقدس غذاؤنا اليومي، لأننا نحيا ” بكل كلمة تخرج من فم الله”. إنه خبز الحياة وغذاء الروح.
فقلت له :ياجناب الاب هنالك مساحات كثيرة مشتركة تجمعنا معن انا وأنت في هذا الوطن المثخن بالجراح ,ومنها انكم تدعون وتحثون الجميع على العيش بسلام وهدوء ,وتنبذون ثقافة العنف والكراهية ,وتدعمون التغيير والتحول السياسي الذي حدث بعد انهيار الصنم ,لأنكم تريدون عراق متعدد يقف على مسافة واحدة من الجميع , ودستور دائم يحفظ الحقوق والحريات الشخصية في ممارسة الطقوس والشعائر, وانتم من اولى الديانات التي سكنت العراق ,انتم ابناء هذا البلد كما نحن أولاده ,انتم ترفضون وتستحقرون الإرهاب وإعماله الوحشية شكلاً ومضموناً التي لم تترك بيتاً الا وعليه لافتة سوداء , ايها الاب أتذكر قول الرسول الأكرم (ص) ماجاء بعهده لنصارى نجران (لا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر) ويوصي (من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة ) ان الاختلاف في الدين لا يشكل لدينا أية مشكلة مع الاخرين ,المشكلة تكمن مع الذين يريدون قتلي واستباحة دمي دون مسوغ شرعي وقانوني ,وانا أريد له الخير والسعادة وان يحمل منا الآخر في السراء والضراء مادمنا نعيش معاً ضمن هذا البلد.
لقد قال الاب ان هنالك رؤية ضيقة وقاصرة في فهم الدين وتفسيره ,لقد جاءت جميع الاديان السماوية والشرائع والسنن أكدت على بناء الإنسان واحترام إنسانيته ,ولم تعطي الاذن بقتل الاخر من البشر وانتهاك حرمته وسلب حقوقه , كما يفعل اليوم من فتاوى تكفر وتبيح القتل لمجرد الاختلاف في الراي .
وبعد هذه المناظرة القيمة والمليئة بالحكم والدروس أهديت له مسبحتي وقلت له هذه لها معزة خاصة في قلبي لانها تذكرني بشخص عزيز على نفسي لانه  كان لي القدوة الحسنة طيلة مسيرة حياتي,وسمعنا النداء من صالة الانتظار ان البوابة فتحت وعلى المسافرين التوجه للطائرة ,وعند نزولنا في مطارعمان ,وقبل أن يتوجه الى وجهته التي يقصدها قال لي الشرف في انتظارك في بغداد بعد عودتك ,وانا لي الشرف الشرف ايضاً في تزورني في بيتي ,وشكراً جزيلاً لصالة الانتظار .