🙏🙏🙏🙏🙏🙏
لقد تقادم بنا العمر .. حد أننا لم نعد نقوى على هضم الطعام الذي نتناوله في السحور .. خصوصاً و أننا نخلد إلى النوم بعد ركعتين سريعتين مباشرةً .. ننقرهما نقر الطير الذي ينقر حبتين مضطربا ..
والحالة هذه ؛..
فمنذ نعومة أظفارنا و نحن نستقبل شهر رمضان الكريم بالإمتناع عن الأكل والشرب تقليدا اعتدناه وورثناه عن آبائنا و أمهاتنا دونما معرفة درس هذا الأداء الغيبي الذي لا ندرك فلسفة ثلاثينيته و لا توقيتاته .. تماما مثلما نحن نصلّي ولا نعرف ماهية فلسفة عدد ركعات الصلوات الخمس كل يوم!!!؟..
الصوم مدرسة تربوية أو دورة تثقيفية أمدها ٣٠ يوماً يتخرج بعدها الصائم مروضاً على تحمّل الجوع و العطش مرة .. و متحسسا لجوع وعطش الفقراء و المحرومين من نعمتي المأكل و المشرب ، إذ إنه لولا هذه الممارسة العملية لما عرف ماذا يعني الجوع و ماذا يعني العطش!!!؟..
يروى أنَّ الخليفة العباسي (المهدي) أرسل إبنه ليتعلم القراءة والكتابة في الكتاتيب .. وما هما إلّا ثلاثة أيام وإذا بولده يشكو له قساوة معلمه .. وكيف أن حرمه يوما من وجبة الطعام التي كانت تقدم للتلاميذ وقت الظهيرة دون وجه حق ، وكيف أنه أوقفه طوال الدرس يوما ، و كيف أنه ضربه بالسوط يوما ، ما أثار غضب الخليفة ؛ فأمر أن يحضر المعلم مجلس الخليفة ذات مساء .. فحضر .. سأله الخليفة : هل أرسلنا لك أبناءنا كي تعلمهم أم تعذبهم !؟..
قال : بل كي نعلّمهم يا أميرَ المؤمنين!..
رد عليه الخليفة : كيف .. و أنت تجوّعهم و توقفهم و تضربهم !!!؟..
اجابه : يا أمير المؤمن .. إنَّ ابنك هذا حفظه ﷲ وليُّ عهدك .. و سيتولّى الأمر بعد حين .. و قد منعت عنه الطعام كي يحسَّ بالجوع .. لأنه لا يجوع عندك ، و أوقفته طويلا على قدميه لكي يحس بتعب الوقوف و هو لا يحسه عندك ، و ضربته لكي يحس بوجع الضرب وهو لا يحسه عندك !..
رد عليه الخليفة : ثم ماذا!؟..
أجابه المعلم : يا مولاي .. أردت أن أشعره الجوع لكي يشعر بجوع الرعية ، و أردت أن أشعره بتعب الوقوف لكي يحس بوقوف الرعية عند باب الخليفة طلبا لقضاء حوائجهم ، و ضربته لكي أشعره بوجع السوط لكيلا يصدر أوامره بالجلد دون أن يعرف ماذا يعني وجع السوط !..
فتعحب الخليفة المهدي من ذلك المعلم و أمر بتكريمه قائلاً : على مثلك أنْ يربّي أبناء الملوك و الخلفاء !
من هنا نرى ؛ أن الإنسان .. هذا الكائن المدرك العاقل .. الذي يأكل ويشرب ويمارس متع جوارحه على مدار عام كامل ؛ لابد له أن يحس بالجوع و العطش و الحرمان من شهوات و ملذات الحياة ، لكي يروض نفسه على الصبر عند الحرمان ولكي يحس بما يعانية أخوه الإنسان!!!..
ما أحرانا اليوم لأن نقلّص رواتب أولياء أمورنا من الرؤساء و الزعماء و الوزراء و القضاة ؛ لعلَّهم يشعرون بما نعانيه من ضعف مرتباتنا الشهرية ؛ و نحن نعيش ظروف الغلاء في هذا الشهر الكريم!!!..