19 ديسمبر، 2024 4:53 ص

شفاهٌ متمردة.. 

شفاهٌ متمردة.. 

ها هو الليل قد جاء بعد ان اوعز لإرجوحة الغيث وغيومها المتهدهدة بالنزول على شوارع وأزقة بالكاد اعمدة النور تغطيها من مساحات ظلمة، هي الأخرى كانت امام مرآة زينتها ترتدي ما يرغبه الزبون الذي اعتادت ان تبيعه الهوى بما يدفعه للحظات محرمة، فرقعت فقاعة كبيرة بعلكها تلك التي تحب ان تذبح على محراب شفتيها، لسان داعبها حتى انتفخت اوداجه شبقا برائق فمها، نظرت الى اصابع حُمر الشفاه وهي تُشير لها بأصابع اتهام، كلتها من تكرار سماع ما تقوله لها بأنها ملت هي الاخرى من الخروج وإياه حيث أزقه اثارت ضجرها حين بيع بضاعة لذة، تدرك جيدا ان شفاهها المتمردة لا يمكنها ان تغفو دون ان ترتدي ما يجعلها مثيرة، خاصة أنها امتازت بشكلها المكتنز الهامس للرغبة، مدت يدها تُخير شفاهها اي منها سيحل ضيفا عندها، كل الاصابع تكره ان تتقدم لإختيارها، جل مصيرها سيمتصها عابر طريق يضمر فجورا ما أن يخلع شياطينه التي كبتها في وضح النهار.
أجبرت الضياع، لا تحب ان تخوض في الحديث عما جرفها الى تيار بات زندقة رغم ان الكثير يتقنه فنا ملونا، ولا تريد البوح عن مكنون خبايا لو فتحت غطائه لخرجت المئات من ما يسمونهن المومسات والقوادين، فعالم يقطنه الحلال والحرام بنصفين، يخضع الى إرادة فحول جاهلية اعتمروا البيت وحجوا إليه لكنهم لا زالوا يكسبون حلالهم المحرم من ذات الرايات الحمر، لكن بشكل متحضر هي تجارة بعنوان متغير.. هكذا يطلقون عليها كتبرير .
دعكِ من كل ذلك، هيا خذيني ارتديني كما تشتهين عارية واملئي ثغرك بعطري، ثم ترنحي غنجا كما عودتني حين خروجي معك، حملت حقيبتها التي اخفت بداخلها ادوات زينتها وأحمر الشفاه المدلل، الغيث لا زال يُلمع الشوارع والارصفة ماسحا إياها طولا وعرضا، متراقصا مع نسمات ريح مدللة، لامس جسدها فابتسمت حين سرت القشعريرة اليه من اسفل ثيابها، بسفالة المهنة تقول له، ما لك يا هذا ابك رغبة ام انك ممن يستمتعون بالملاطفة.. وهي تبتسم، سار ظلها خلفها يتابع من سيكون اول الراغبين بالصعود الى هاوية الرذيلة التي اعتاشت جيوب الظلمة ان تبيع وتشتري بأجساد بشرية. اشعلت سيجارتها الأولى وقد اتكأت على عمود النور، تَلامس عقبها مع شفاه خجل ان يكون بينها بعد ان فضحه الضياء..
قائلا: يا إلهي!! ماذا أفعل؟ لقد تلاشت كل قواي ما عدت ولفافتي قادرا على الصمود ، امتصتني شغفا مع اشعال لفافتها التي اتقدت نارا فاطارت بحرارتها دخان تلقفته الريح والضياء وحتى الغيث بالسؤال عن مذاق شفاهها، غير انه احتفظ بسره وهو يبتعد شيئا فشيئا من غير رجعة، فالثمن كان باهظا، الموت بين شفاه متمردة ونار انفاس صدر ما أن يتحرك حتى تتمايل كل الرغبات رهبان للخلود بين اثدائها، هكذا كان كل ما تمسكه يتحول الى شهيد متعة.
تلويحة من صاحب مركبة ينادي عليها، وحتى تنهي من لالكها بحديث رمت بها على الأرض، داست بعقب حذائها عليه فبات بلا حراك الى الابد، مدت رأسها الى نافذة المركبة كي تعرض بضاعتها، لم يكثر الحديث ذاك الذي طلب منها الركوب معه، غير أنها قالت: سيكون اللقاء عندي في مكان سكني إني لا اذهب الى اي مكان آخر هذا هو الشرط، انصاع من ركب شيطانه رغبة إليها، حتى رائحة الاشتهاء قد فاحت كغريزة حيوان..
هو : لا بأس قال لها، هيا اركبي لنذهب
هي: لا داعي فالمكان قريب، اركن مركبتك هنا وتعال معي او إلحق بي، الأمر متروك لك
نزل مسرعا إليها، سار الى جانبها، عيناه تلعق جسدها قبل ان يكشف عنه، وهي تُمنيه بأنه سيتذوق الفاكهة المحرمة تلك التي اخرجته من الجنة والى الابد، رائحة العطر أطار لبه، فتمايل معها بغير إرادته، زادت زخات المطر في منتصف الطريق الى منزلها، أفاق عليها قائلا:
هل المسافة بعيدة؟ ماذا لو كنا ركبنا المركبة لكنا اسرعنا في الوصول؟!..
هي: ألا تحب المطر؟
هو: بلا.. لكنه صار اكثر غزارة
هي: تضحك.. غير أنك تحب المغامرة والمجازفة أليس هذا ما أخرجك في البحث عنها؟
هو: لا أدري!! اظنه السبب، غير ان هذه المرة الأولى التي اخوض بمثل هكذا تجربة
هي: اها.. لذا عليك ان تصبر حتى تنال مرادك الذي خرجت من أجله
هو: الواقع لقد أشار علي احد اصدقائي بك، وقد كان له معك مغامرة لا يبطل عن ذكرها، حتى انه حاول لمعاودة الكرة فزجرتيه
هي: أجل هكذا هو طبعي لا ارغب في الحاجة سوى مرة واحد، فتكرارها يسبب لي التخمة والضجر
كان هو سارحا في الكلمات التي تخرج ميتة متساقطة وبقسوة وهي حبلى ولهاً من على شفاهها، تاركة افراخها التي تلدها في نيل مراد من مداعبة بلسانها..
هو: يا إلهي كم انت جميلة!!؟ وكم أنا محظوظ بك؟ رغم اني لا اعرفك مسبقا وستكون علاقتي بك مجرد علاقة اجساد ورغبة، لكن صدقيني بداخلي صفعات أسئلة أراك منها قد ابتعلتِ سماجتها حتى باتت كعلكة دون طعم..
هي: ها قد بدأ حديث الترهات، لم لا تعكف قافلا الى مركبتك وتذهب الى حال سبيلك وارغب في فتاة هوى غيري، كأن ليلتي هذه ستكون وبالا عليك وعلي..
لم يعجب الريح هدوء وصمت زخات الغيث تلك، فحرك جناحيه دافعا بإرجوحة الغيم لتتصادم مخرجة جام غضبها برقا فتق جوف السماء البعيد، عصرت الغيوم ثيابها المبتلة بشدة حتى فاضت الشوارع، المركبات تتسارع، بائعات الهوى كل صارت في ركن منزوي لايراهن فيه مشتر، ومنهن دفعهن الخوف الى العودة، ادلهم الشارع، صفق البرق بقرقعته محطة توليد الطاقة، أطفأ الانوار عنوة، هو قام بإمساك يدها، كأنه لا يريد لها ان تذهب خلسة بعيدا عنه..
هي: دع يدي!؟ دعني اذهب الى المنزل أظن الليلة لاحظ لك عندي، ليكن موعدنا في الغد وفي نفس المكان والزمان
هو: لا استطيع فقد شغفت بك، بات جسدي ورغبتي نار لا يطفأها حتى هذا المطر، ارجوك لنذهب الى حيث تسكنين بسرعة، ألم تقولي أنه قريب من هنا؟ هيا لنذهب
هي: ارجوك عزيزي لنؤجل الموعد فما عاد بي رغبة كما ان الجو بات قارسا
هو: أي رغبة واي جو قارس تتحدثين عنهما، إنك اضرمتي النار بداخلي، وصار بإمكانك ان تتدفئي على لهاثي، لقد فتنت بك حد الجنون فكل ما فيك يثير بداخلي الشيطان النائم حاملا رمح الغريزة معلنا دخول عالم الضياع معك لاستحل ما ليس لي..
هي: لا يمكنني.. رغم ان شفاهها تتلوى وهي تعض بعضها كأنها تتعرى له، تخبره انها هي الأخرى راغبة فيه لكن الظرف لا يسمح
هو: مجنون أنا إن تركتك الساعة، ومجنونة انت إن لم تسألي شفتيك هاته عن رغبتها بي، بعد ان جردتك من التعذر هيا سليها
هي : يا لك من مهووس!!
عصف الريح بنفسه ليدفع بهم نحو البعيد، مجبرا المطر حتى لا يمنع ما لم يتوقعه أحد، لم يشأ ان يكون سببا موجعا، ها هي الرغبة تتوسل له ان يتركها تغطيهما بحنو حتى يصلا لمرادهما، فأشار لها بغضب..
بعدها سرعان ما دب الهدوء بينهما، عادت الرغبة تبيح لهما المحرم حلال، مسح هو وجهها بيده، لا من اجل ازالة الغيث لكن حبا في ملامسة شفاه جامحة، انامل يده ساخنة تبخر الغيث العائم هياما على وبين مساحات جسدها، لكنه سرعان ما عاود ليستمتع بملامسة جسدها وتنفس عطر لهاثها المبتل هو الآخر ..
فصرخ غيرة.. كلكم مثلي تبحثون عن الرغبة المحرمة رغم اختلاف اشكالكم فالغيث، الريح، الليل، الأزقة المظلمة، الشوارع، الضياء واعمدته، حتى القدر جميعكم با ئعي الهوى ليس هي فقط، حتى انا ابيع الهوى كما اشتري..
هي : مستغربة!! ما بك؟؟ هل جننت ؟ تُحدث من؟ هيا انه هناك ، هيا لنسرع
جرى امامها يسحبها حتى تلحق به،
فجأة ابتعد عنها بغير إرادته بعدأن دفع به الريح، الظلام والمطر نحو مركبة مسرعة بلا رغبة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات