18 ديسمبر، 2024 8:56 م

نشرت منظمة الشفافية الدولية قبل مدة تقريرها السنوي لعام ٢٠١٦، (وهي منظمة دولية، غير ربحية، غير حكومية، تأسست عام ١٩٩٥م، مقرها المانيا، ومنذ ذاك الوقت وهي تنشر تقاريرها السنوية لمؤشرات الفساد لمختلف البلدان)، وان كان لا يترتب عليها اية التزامات أو تعهدات معينة، وبحسب التقارير العراق من بين أكثر الدول فسادا في العالم طوال السنين الماضية، مع دولا عربية اخرى مثل (سوريا والسودان واليمن وليبيا والصومال)، ولا يخفى اسباب ذلك، من قبيل انعدام الاستقرار بسبب الاوضاع السياسية والاقتصادية والنزاعات الداخلية والحروب وتحديات الإرهاب.

مايهمني مناقشته هو فيما اذا كانت هذه المؤشرات أو المعايير أو سمها ماشأت، والتي تشمل العراق بوجه الخصوص، تعطي انعكاسا حقيقيا للواقع وشفافة كما هي تسميتها؟، وهنا نبين عدة نقاط املين أن نوفق بطرحها وهي:

اولا: العراق لم يكن ضمن تقارير منظمة الشفافية الدولية قبل عام ٢٠٠٣م، لاسباب عدة، منها عدم امكانية الوصول للمعلومات داخل العراق وطبيعة النظام السياسي والاقتصادي في حينه، لذا عدم قدرة المعنيين على قياسه لغاية عام ٢٠٠٤م، علما كان بالمكان الاستعانة كما هو الحال في الوقت الحاضر، بالخبرات والشركات في الخارج وكما سنبين لاحقا.

ثانيا: يعتمد تقييم الفساد على (١٣) معيار أو مؤشر لجميع الدول لكل منها درجة معينة ضمن (١٠) درجات في سلم التقييم، فكلما طبق اكبر عدد من المعايير كان فرصة البلد بالتصنيف اكبر، والعكس صحيح ، هذا ضمن منهج وضع  لقياسه، سمي بمدركات الفساد والتي تعني (الاحساس الملموس بوجود الفساد ضمن هذا التقييم)، وهذه المعايير لا تشير الى حجم الفساد أو طبيعته، وانما الاحساس به، والذي صنف العراق على اساسه ضمن الدول الاكثر فسادا، في القائمة الصادرة منه، والتي تشمل تسلسلات الدول، تبدأ من الاعلى والتي تكون الدول فيها اقلها مؤشرات للفساد، واخر القائمة تكون فيها الدولة الاكثر مؤشرات.

ثالثا: طريقة تحليل وتقييم تلك المؤشرات أو المعايير موحدة لجميع الدول، الا أن مصادرها تختلف بطبيعة الحال من بلد لاخر، اضف الى ذلك أنها لم تعتمد جميعها في العراق، فقد اعتمدت بالتحليل والتقييم على خبراء من مجموعتين هما (خبراء الدولة سواء المقيمين أو غير المقيمين فيها، وكبرى شركات الأعمال)، ومنها معلومات (بنك التنمية الأفريقي، بنك التنمية الأسيوي، مؤسسة برتلسمان، وحدة الاستخبارات الاقتصادية، فريم هاوس او بيت الحرية، البنك الدولي)، أما في العراق لم يحض سوى بتطبيق (٣) مؤشرات من اصل (١٣) في عام ٢٠١٠ على سبيل المثال، علما كانت تقييماته في ذلك العام الاعلى بين السنين، الا ان اختزالها بثلاث جعلته يخسر الكثير من التقييمات مسبقا.

رابعا: إن المؤشرات الثلاثة اعتمدت أصلا على معلومات مستقاة من مصادر خارج العراق، من دون أن يكون للخبراء أو المؤسسات غير الحكومية من داخل العراق أي دور، وتلك المصادر قد تكون نقلت نشاطها الاقتصادي الى خارج العراق، لأسباب سياسية أو أمنية أو اقتصادية، وبطبيعة الحال لم تكن بتماس مباشرة مع الحدث، وتكونت لها انطباعات مسبقة قد تكون ايضا مبالغ فيها إن لم تكن مغايره للواقع، ولازالت تلك الفئات التي تستقي منها المعلومات لم تغير قناعتها على ضوء المتغيرات على ارض الواقع.

خامسا: أن منظمة الشفافية الدولية، ليس لها مقر ولا ممثل عنها في العراق، وانما تعتمد كما ذكرنا سابقا على مصادر خارج العراق، وبذلك ايضا تكون قد تأثرت من قريب أو من بعيد بتقارير الاعلام الدولي والتي صورت العراق جحيما، كما صورت في يوم ما بدائية هذا المجتمع وتخلفه.

سادسا: في جانب التشريعات التي تراقب وتعاقب على جرائم الفساد ، فان العراق انضم إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهو إجراء يترتب عليه جملة اشتراطات وقد نفذ معظمها، الى جانب جملة من التشريعات والقوانين والمؤسسات الرقابية.

أن ما يذكر من تقارير تبين أن العراق من ضمن الدول الاكثر فسادا، هذا قد يخلق بيئة طاردة للاستثمار، ويقوض ثقة المواطن بالدولة وخططها الاصلاحية، وهذا يقودنا للتساؤل لمصلحة من هذا، واترك الاجابة للقارئ الكريم.

و في الختام نحن لا نقل أن العراق بلد مثالي خال من الفساد، نعم الفساد موجود ولكن ليس بالسوء الذي يروج له، فكما لايصح أن يقال كل الشعب شارك في عمليات السلب والنهب، كذلك لايصح القول أن جميع المتصدين للعملية السياسية فاسدين، أن تشخيص الفساد بشكله الحقيقي، يتيح دراسته ومعالجته على واقعه بعيدا عن التهويل.