23 ديسمبر، 2024 9:00 ص

يروى أن المجاعة ظهرت في إحدى القرى بسبب الجفاف الناجم عن إنقطاع الأمطار تلك السنة. شحت المواد الغذائية وقلة الحليب جعل الناس يقلقون على مصير الصغار للغاية. إمام القرية جمع القرويين وطلب أن يتبرع كل من لديه شيء من الحليب مهما كانت الكمية ليأتي به لإنقاذ الأطفال الرضع في هذه القرية.

وضع الإمام حاوية متوسطة الحجم في إحدى زوايا مسجد القرية وعزلها عن الأنظار بستار كي لا يخجل أي قروي متبرع فيما إذا كانت كمية ما يتبرع به من حليب قليلاً، وخصص وقت التبرع ليلاً وبعد صلاة العشاء كي لا يشاهد أحدهم الأخر.

أحد القرويين رجع إلى البيت وفكر بكمية الحليب الذي سيتبرع به لأطفال قريته. وبعد التفكير والتأمل قال في قرارة نفسه وما عليّ انا من كل هذا الأمر المهم أن أنجو أنا من هذا الجفاف وما بعديّ الطوفان. فقرر أن يملئ قارورته بالماء بدلاً من الحليب. الوقت ليل والظلام دامس وحاوية الحليب مخبأ خلف ستارة ولا يمكن أن يشاهده في ذلك أحد. هذا الماء الذي سيضعه في حاوية الحليب سيضيع بين ما يأتي به القرويين الأخرين من الحليب ولن يحس بذلك أحد ولن يكشف أمره في القرية قط.

فعلها حقاً وحمل الماء إلى الحاوية المخصصة لجمع الحليب في المسجد. كشف الستارة ودخل وإقترب من الحاوية وأدار الماء على الحليب الذي في الحاوية وخرج دون أن يدرك ذلك أحد.

إستمر تبرع الناس بالحليب حتى صلاة الفجر. وبعد أن تبين الخيط الأبيض وإنتهى المصلين من الصلاة خرج الإمام ليزيل الستار ويخرج الحاوية المملوءة بالحليب لتوزيعها قبل حين على القرويين الذين لديهم أطفال بحاجة إلى ذلك. أزال الإمام الستار وبرفقة الموجودين من المصليين وأخرج الحاوية للعيان. وما أن مد قارورة صغيرة ليخرج حليباً من الحاوية حتى صعق الإمام! حيث وجد الحاوية مملوءً بالماء وليس فيه شيء من الحليب.

عندها إكتشف الحاضرون أن الجميع قد فكر كما فكر الشخص المشار اليه والذي جلب الماء بدل الحليب. تبين أن الكل لا يريد أن يتحمل شئياً من المسؤولية ولو كانت بقدر التبرع بقارورة حليب لإنقاذ أطفال القرية. تبين أن الجميع يفكر بنفس المنهاج ولا يهتم أحدهم إلاّ بمصالحه الشخصية ونفسه فقط. وهكذا لم يحصل أي طفل في القرية على قدح من الحليب وأصبح أمرهم صعبا للغاية ولم يجدي خطب الأمام والمواعظ في تغيير واقع القرية “وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ”. ولا حول ولا قوة الا بالله.