سألني أحدهم كيف طبعتَ كلّ هذه الكتب؟
ابتسمتُ، ثم قلتُ –
وما زلتُ أقول : إنّ الكُتبَ لا تُكتبُ في يومٍ أو شهر ، بل تنبتُ في العُمق.
هي ليست أوراقاً مكتوبةً، بل أعماراً متخفّية بين السطور.
ليست اللحظة التي نُشِرَ فيها الكتاب إلا اللحظة التي أذِن فيها الجهد أن يُطلّ برأسه، بعد صمتٍ طويل من التفكير والمراجعة والانشغال الخافت.
بعضُ هذه الكتب بدأتُه شاباً يحلُم، وبعضها كتبتهُ كهلاً يتأمل، وثالثٌ تجسَّدت فكرتهُ مؤخراً بعد سنواتٍ من الترقب والصمت.
الكتابةُ، في جوهرها، ليست فعلاً ميكانيكياً، بل ضرورة وجودية؛ هي بناءٌ روحيّ ومعرفيّ، يُقام على أنقاض القلق، وحجارةِ السؤال، وحرائق الشغف.
وحين تكتمل المخاضات الفكرية، تبدأ رحلةَ المراجعة؛ لا بوصفها مرحلةً شكليةً، بل كونها بحثاً جديداً عن الحقيقة في العبارة، والمعنى في الفاصلة، والنغمة في السكون.
ثم تأتي لحظة الإخراج، وهي لحظةٌ جمالية بامتياز؛ كأنك تُعيد ترتيب روحك على هيئة كتاب.
خلف كلّ غلافٍ أنيق سنواتٌ من التشتت والانضباط،
وخلف كلِّ فقرةٍ هادئةٍ عواصفُ فكرية لم يَشهدها أحد.
الناسُ يرون الكُتبَ تُنشر،
ولا يرون ليالي السهد، يُدهشهم عددُ الصفحات، ولا يسمعون صوت القلب حين أتحدث مع الكلمة لتستقيم.
وإنني – كأمثالي ممن تفرعت أعمالهم، وتزاحمت مسؤولياتهم – لا أمتلك ترف التفرغ، لكني أمتلكُ شغفاً لا يعرِف الهدوء، ونَفَساً طويلاً يرافقُ الفكرةَ حتى تبلغَ رشدها.