العراقيون يتداولون الأنباء عن بناء مستشفى عظيم في الصين لمعالجة مصابي كورونا، باستعجاب، واستغراب.
قبل ذلك، هزّت أزمات ومصائب، شعوباُ، فانبرت الحكومات تحسم المحن، بأسرع من البرق.
الكارثة المالية اجتاحت أمريكا قبل سنوات، وحلّ الكساد، والبوار، وفَلِسَت البنوك، وعجز المواطنون عن دفع أثمان البيوت التي اشتروها، وخسرت الشركات مليارات الدولارات، لكن تكافل الجميع، وضخ أصحاب رؤوس الأموال، الآلاف من المليارات من الدولارات الى السوق، واستنفار حتى مطابع العملة، حسم الضائقة، باتجاه التعافي.
اليونان تخطّت كبوتها الاقتصادية وحققّت المعجزة، بعد الانهيار العظيم، واليأس العارم، والافلاس والجوع، محققة منذ العام 2014، فائض ميزانية، أتاح الإنفاق الاجتماعي على الفقراء.
لم يحدث ذلك بتخطيط الحكومة فحسب، بل بمساهمة المواطن الواعي الذي تجشّم أعباء التقشّف من أجل عبور الأزمة.
اليابانيون بعد نحو 15 عاما من الانكماش، اكتشفوا انّ الانغماس في كثرة المطالب ليس حلا، وأدى بهم الرشد الاجتماعي، الى تفضيل الأمن الوظيفي على الأجور، كي لا تهرب الشركات الى الخارج بحثا عن عمالة رخيصة، او تتبنى تقنيات وآلات تحلّ محلهم، الأمر الذي منح البلاد، استقرارا اقتصاديا باهرا.
ولم تكن المعجزة الاقتصادية الألمانية، في إعادة الإعمار، الفائق السرعة، أمرا سهلا بعد حرب دامية أزالت المدن عن بكرة ابيها، لكن اقتصاد السوق النيوليبرالي الذي أدغم بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي، أتاح الحرية المطلقة لرأس المال والعمل، وهمّش الفساد، ما يسّر اندلاع ثورة تنمية كبرى، عمادها الشباب الواعي بمسؤوليته التاريخية في إعادة أمجاد بلاده.
ولم يكن الكثير من الصينيين يتوقعون بلادهم التي شهدت أكبر مجاعة تسبّبت في موت نحو 40 مليون إنسان، في نهاية خمسينيات القرن الماضي، سوف تطبّب الجراح، وتقبر اليأس، لكن العزيمة، وبعد أقل من سبعين عاما، قلبت الصين من أمة مغلوبة على أمرها، جائعة، إلى واحدة من أعظم القوى في العالم.
حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي المتبادل بين قبيلتي الهوتو والتوتسي في رواندا، خلّف نحو المليون ضحية، العام 1984، حتى تكهّن البعض بانقراض شعبها. ولم يمض وقت طويل حتى انتقلت البلاد بعد أقل من عقدين من الفشل، الى النجاح في منافسة اقتصاديات الدول المختلفة، ونالت عاصمتها كيجالي التي كانت يوما ما، مدينة صفيح، لقب أجمل عاصمة افريقية.
تشيلي التي عانت من هيمنة سلطة مركزية، ومجلس عسكري، بمقدراتها، أصرّ شعبها على التغيير الديمقراطي، وأثمر الجهد عن استفتاء العام 1990 أنهى حكم العسكر، بصناديق الاقتراع، لتقفز في زمن قياسي قصير، من بلاد يعاني النصف من سكانها، الفقر والمجاعة، الى أعجوبة اقتصادية واجتماعية عظيمة.
الى وقت قريب، كان شعب سنغافورة لا يعرف النظافة، ولا يتقن صناعة الحياة، وكان السواح يشتكون من قذارة المدن، وروائح المطاعم العشوائية في الشارع، ومضايقة المتسولين، والجرائم التي يقترفها العاطلون، ولم يمض سوى اقل من 50 عاما حتى نجحت الدولة في إرشاد سلوكيات المواطنين نحو طرق عملية، متحضرة.
ماليزيا التي عانت من الانقلابات والثورات والأنظمة الفاسدة، وطّدت مفهوم الوعي الحضاري والانفتاح على العالم، والاستثمار في الفرد الذي أصبح المحور الذي تدور حوله محركات البناء والاعمار.
إنّ الشعوب التي تثق في نفسها، لقادرة على إحالة الانكسارات والهزائم، الى فتوحات حضارية واقتصادية واجتماعية، بعد ان يصبح الفرد فيها، أكثر من كونه رقماً، أو شخصاً، الى آلة فاعلة في دولة يتجشم الجميع فيها، مسؤولية رعاية الفرد حتى في حالة العجز أو المرض. من هنا تكون البداية، في التأسيس للثقة المتبادلة بين الدولة والمواطن.