وَأكبرُ جَرائمي هذا المساء
الذي لا يَشبَهُ إلا الفل َ العراقي
أنني أَشتاقك َ
بعنف برق
وَوَهن امرأة عاشقة
أنني أطفئ
عاماً مضى
وَأشعل ُ عام ٌ يأتي
برجاء حمامة
وصلاة قلب أعزل
وكُلي يحنو على كُلي
في هدأة ليل
لأنها جريمة فأن تنفيذها يحتاج إلى عنف، ولأنها امرأة عاشقة فأن عليها أن تشتاق وان يملئ هذا الاشتياق قلبها الأعزل كي تشعل عامها الجديد الآتي . تبدأ القصيدة بفعل حركي قائم على انعكاس الحالة النفسية للذات الشاعرة التي تدلل على التفاعلية بين(النص/ الذات) ويبدو إن الشاعرة اعتمدت على فعل داخلي متصل بنفسية الشاعرة نفسها(جرائمي) ما هي الجريمة ولماذا نقترفها؟ حتما سيكون بسبب الشوق والشوق مستفز بطبعه للذات الإنسانية.
أنني أَشتاقك َ
بعنف برق
وَوَهن أمراة عاشقة
هذه الصورة تضعنا أمام تخيلات متعددة في وقت واحد، فبين الفعل الذاتي(الاشتياق) وفعل هذا الاشتياق في ذات المرأة العاشقة(الوهن) تعبير عن الحالة النفسية للشاعرة بدقة متعالية تعكس التعثرات الداخلية للذات لتشحذ الروح بتلك المعادلة(شوق المرأة العاشقة = وهن الجسد)
أنني أطفئ
عاماً مضى
وَأشعل ُ عام ٌ يأتي
برجاء حمامة
وصلاة قلب أعزل
وكُلي يحنو على كُلي
في هدأة ليل
تشير الدلالات الإيحائية لـ(أطفئ/أشعل) لمتضادين يأخذان حيزا كبيرا في نفس الشاعرة إذ يعمل الأول على برودة المشاعر والآخر على إشعال العواطف.
ويبدو إن رؤى البصري أرادتنا أن نعيش حالتها كما تريد هي محملة بوجع ذاتي على حالة مدوية ونداء خفي للآخر بأن يعيش ما تعيشه الذات الشاعرة.
أشتاق أن أشمَّ رائحته
الآن َ
حين أنتصفَ الغيابُ في هَجِير الشوق
أموت اشتياقا
وَ الوقت ُ يُقشْرُ قلبي
لـا يزالُ يُدَندُنُ
تعااااااا لي..
ف َ أبتسمُ ك َقِطة
تَلعقُ أشتهائها ب ِصمتِ
عُقدي ناقمة ٌ على طَوفانِ جُنُوني
أنا المعوجة كشجرة لبلاب
تَزرَعُني في أصيص أيامكَ
وتَهْمُسُ
سَتَكبُرين أمام َ عيني
ف أذوووب ُ حين تأتي يداك َ الى روحي
وتخطفُ تَعبي
إلى صدركَ أجيُ عاصفة
فتكسرني أبوتكَ
مثل أعذب رشفة من حياة
كُنتَ
أيها البُستاني
في هذا النص نجد سيطرة واضحة لوجدان يحاول أن يلهب مشاعر المتلقي إنها(تنهيدة) مستعرة لامرأة عاشقة تكابد لوعة الشوق، وكأنها ترسم بريشتها الحزينة لوحة العشاق الذين يشبهونها في وجعها وألمها وبكاءها بصمت ، فتغسل جسدها الذي أنهكه الشوق بسيل دموعها،إلا إنها تقاوم هذا الحرمان بالذوبان بين يدي المعشوق عندما يمد يده إلى روحها ليخطف تعبها ويملؤها حنينا.إن(رؤى البصري)في استخدامها للفعل المضارع(اشتاق،أموت،ابتسم،أذوب،تزرعني،تكسرني) تريد أن تؤكد إن الماضي وان كان جزءا من حياتها إلا انه لم يشغلها أو يثنها عن معايشة حاضرها وواقعها رغم قسوته لأنها اقوي من الحزن. وهذا ما يجسد لديها الحالة المتوهجة في الكلمة لتداعيات الشعور فهي تلتقط الجمال حيثما التمع في الأشياء، وهي تهتم بالكلمات الشعرية الشفيفة التي تجسد شعورها ببلاغة أدبية تصوغ الكلمة الشعرية في معامل الشعور العميقة.
رؤى تجسد ذاتها(شجرة) وهذا منتهى الرهافة والرقة والعطاء،تجذب الطيور إلى أغصانها وثمارها وكأنها هنا ترمز إلى عطاء الشجرة ووداعتها بذاتها(المرأة) وهي بذاك تهوي هذه الطيور بكل أبعادها وجمال ألوانها.
أشتاق أن أشمَّ رائحته
الآن َ
حين أنتصفَ الغيابُ في هَجِير الشوق
أموت أشتياقًا
وَ الوقت ُ يُقشْرُ قلبي
لـا يزالُ يُدَندُنُ
تعااااااا لي..
ف َ أبتسمُ ك َقِطة
تَلعقُ أشتهائها ب ِصمتِ
كل هذه المشاعر التي تطفق داخلها تنبأ عن التفاصيل الكثيرة في تلك اللحظة الجنونية،فهي اغتسلت بدموع اعتراف مباشر، لتنهي المقطع بقفلة تحوي دهش المقطع النهائي وكأنه وحدة مستقلة بذاتها(ابتسم كقطعة/تلعق اشتهائها بصمت) النص جسد إيقاع موسيقي داخلي ينبض بالحياة والتجدد، فهي ليست مجرد كلمات متراصفة بل نغمات تشكل الإيقاع الداخلي للقصيدة، وهذا الإيقاع الداخلي الذي يشكل الحركة الموسيقية في داخل القصيدة ليرتدي في النهاية الموسيقى الخارجية للنص.وفي هذا المقطع تحديدا نلاحظ صورة رائعة صهرت الكلمات في معنى جميل بتلقائية بعيدا عن التصنع.
عُقدي ناقمة ٌ على طَوفانِ جُنُوني
أنا المعوجة كشجرة لبلاب
تَزرَعُني في أصيص أيامكَ
وتَهْمُسُ
سَتَكبُرين أمام َ عيني
ف أذوووب ُ حين تأتي يداك َ الى روحي
وتخطفُ تَعبي
الى صدركَ أجيُ عاصفة
فتكسرني أبوتكَ
مثل أعذب رشفة من حياة
كُنتَ
أيها البُستاني
تتابع الإيقاع الموسيقي للقصيدة بجمال سردها ووهج لغتها،بوح لذات متألمة وأسئلة لتكهنات المستقبل وهنا نلاحظ إن النص حافظ على نسق واحد من جمالية الشعر من حيث التركيب اللغوي والتكثيف الدلالي والإيقاع الداخلي.
وهنا يتضح ان نصوص (رؤى البصري) تضعنا أمام حقيقة النظر إلى الشاعر ككيان إنساني له مشاعره وأحاسيسه وشاعريته التي يحاول التعبير عنها ليعكس القيمة الحقيقية لهذه الروح التي نحاول أن نفهمها من خلال أنتاجه الشعري الذي يعكس صورة الحوار الداخلي بين الإنسان وذاته ليفهم ما الذي يريده من هذا العالم،وهو يسعى جاهدا للبحث عن نفسه من خلال الآخرين وتجاربهم.
وبمعنى آخر إن الشاعر عندما ينتج نصا جديدا فأنه ومن خلال تحليلنا لصوره الشعرية يتبين لنا تعاطيه مع الحياة، فعندما يكتب الشاعر قصيدة لا يعني إنها مجرد كلمات مرصوفة، بل انه يعكس رؤيته للعالم.فالقصيدة كما يقول اودونيس(هي حدث والشعر تأسيس باللغة والرؤيا : تأسيس عالم واتجاه لا عهد لنا بهم . من قبل . فهو تخطي يدفع إلى التخطي).