يعتبر الشعر برافديه الفصيح و الشعبي الناطق الرسمي بأسم الثقافة و التوجه للشعب و ما يتبناه من مباديء و يعكس أهتمام الناس ويسجل أولوياتهم ، حضرت مهرجانا شعرياً مؤخراً في الشعر الشعبي بمناسبة ولادة النبي الاعظم محمد (صلى الله عليه و اله) و كانت القصائد التي ألقيت بهذه المناسبة أكثرها لا علاقة لها بالنبي الكريم فأغلب شعرائنا لا يعلمون شيئاً عن حياة الرسول رغم أن سيرته زاخرة بالحوادث الكبيرة ومرصعة بالحكم و معطرة بالرسائل التي تعتبر معيناً لاينضب و مصدر ألهام للشعراء و للكتاب و الخطباء و لكن رسولنا العظيم لا ينال جزء بسيط من حقه و هذا الجفاء كان عقدة كبيرة حاولت حل طلاسمها و لم أستطع ، طبعاً هناك بعض الشعراء كتبوا قصائد كبيرة في حق الرسول الكريم (ص) و لكنها أقلية تكاد لا تستبين حتى أني في يوم وفاة النبي ص كنت استمع الى برنامج بهذه المناسبة من على أثير أحدى الاذاعات الاسلامية كان المذيع يقرا ومضات من سيرة الرسول ص و تتخللها مقاطع من قصائد كانت تنشد من قبل قراء و منشدين و الغريب ان القصائد كانت بحق الامام الحسين ع و الامام علي ع و العقيلة زينب ع و الامام العباس ع و لكن لم تكن هناك قصيدة في حق صاحب المناسبة أفلا يدعونا هذا الامر للسؤال عن سبب هذا التقصير !
ما حصل في هذا المهرجان الشعري صدمني و أثار حفيظتي حيث ألقى أثنان من الشعراء الشباب قصيدة عبارة عن حوارية افتراضية حصلت بين العراق من جهة و بين النبي الاعظم محمد ابن عبد الله فجسد احد الشعراء شخصية العراق و بدأ يتكلم عن لسانه و كانت الصدمة أن يتكلم الشاعر الثاني بلسان سيد الخلق أجمعين و خاتم الانبياء فتخيل أنك تسمع أحدهم يتقمص شخصية الرسول و يمثلها و هي تلقي علينا خطاباً باللهجة العامية و بحركات صبيانية مبالغ بها و بتسريحة و شكل منفر و هو يقول أنا (محمد ) و أقول كذا و كذا …..
أي جرأة هذه و أي أستخفاف بمقدساتنا و من أعطى هؤلاء ( الشعراء ) الحق في تقمص شخصيات لايمكن لهم أن يصلوا الى عتبة فهم ما يقولون فكيف تدعي عقولهم أحتواء ما سيقول المعصوم لو كان موجوداً اليوم و أي موقف سيتخذ ، و الامر لا يقتصر على شخصية النبي ص فقبله كثرت التقولات على السنة المعصومين و الائمة و أهل البيت عليهم السلام فتجد القصائد الحسينية تزخر بمثل هذه التقولات أن الحسين يقول كذا و الامام علي يقول كذا و زينب تقول الخ ، و غير الشعراء كان الخطباء و الروزخونيين الذين فرضوا فهمهم القاصر على منطق المعصوم و أفترضوا أن الامام كان سيقول كذا و كذا و لسان حاله يقول .. و أتسائل الا يوضع هذا التقول في خانة الكذب على المعصوم فالمستمع لم يعد يميز بين ما قاله المعصوم حقيقةً و بين ما قاله الشاعر او الخطيب على لسان المعصوم فيأخذ الكلام والشعر مسلماً تسليما ، تكمن المشكلة أننا لا نملك جهة تراقب المنتج الشعري الشعبي من زاوية الطرح و خاصة ما يتعلق بالعقائد و التاريخ فالباب مفتوح على مصراعيه و الكلام مباح بلا ضوابط أو قوانين أو رقابة فمن هو المعني بهذا الترشيح و الفرز و التشخيص و خاصة في الجانب العقدي منه ، طبعاً لايمكن أن يمارس هذا الدور الا المرجعية و المؤسسة الدينية و لكن انعدام ممارسة هذا الدور و عدم وجود الية أو منهج أو حتى التفكير بوضعها أدى الى ظهور خروقات كبيرة من قبل المستفيدين من أصحاب الدكاكين الذين لا هم لهم الا صناعة جمهور ينتفخ بأستمرار و يتمدد كمياً و لا يهمهم أن يرتقوا به فكرياً لأنه أي ( الارتقاء ) قد يفقدهم بعض منه و هذا يعتبر خسارة في مقاييس الربح و الخسارة المادية ، مما سمح لهم بوضع خطوط حمراء أمام أي أنتقاد ممكن أن يوجه اليهم مادامت المؤسسة الدينية ألتزمت اللامبالاة و الصمت او على الاقل الحياد السلبي أتجاه هذا الطرح ، فمن يضغط بهذا الاتجاه لينصر النبي و اهل بيته من هذا التعدي السافر و من من الشعراء الواعين يسعى ليرفع التقصير عن النبي الاكرم لينال ما وعد به حسان بن ثابت.