23 ديسمبر، 2024 9:34 ص

الولع بالشعر -عند العراقيين- ولع فريد .. لقد فاق العراقيون جميع نظرائهم بهذا الضرب من التعبير قديما وحديثا .
وبينما يرى البعض في ذلك وسيلة مهمة من وسائل الارتقاء المعرفي ، يقول آخرون إن هذا اللون من الثقافة أسهم إلى حد كبير في الحط من قيمة الوقت عند العراقيين، لاسيما الشعراء منهم ، والنأي بهم عن العمل المثمر، والإعجاب بالنفس إلى حد التأليه . ويستشهد أصحاب هذا الرأي الأخير بشعراء قصيدة النثر، فأشعارهم بحسب زعم هذا الفريق مبهمة، وتصيب القارئ بحالة من الضيق والكآبة، بل النفور من عالم الأدب بأسره ، وذلك لغموض ما يكرره شعراء النثر من ألفاظ مخرومة بـ (الحبق)، وآلهة الرخام،الممزوج بوعورة الفقاع على (إسفلت)ماخور اللهب الفضي المنهال على أعشاش الكرز، والكستناء في ضراوة الطهر الماثل بين خنصر انكيدو والخوخ المسلوق!
الطريف أن شعراء قصيدة النثر عندما يستمعون لأحدهم ، وهو يسترسل في خرم الحبق بآلهة الرخام تنتاب أكثرهم غيبوبة من الذهول انبهارا بالمنجز الإبداعي الذي لم يفهموا منه شيئا على الإطلاق.ترى هل السر في هذه الغيبوبة يكمن في قاعدة : ((إصغي لمنجزي الإبداعي مرة أصغي لمنجزك الإبداعي ألف مرة))؟ الله أعلم .
شعراء النثر يستطيعون بمنتهى السهولة،واليسر تعليل عشرات التناقضات الموجودة في قصيدة أحدهم استنادا إلى نظرية النص المفتوح التي تسمح بمئات آلاف التفسيرات للـ (حبقة) الواحدة. وعندما تتجرأ على سؤال أحد هؤلاء الشعراء الجبابرة عن معني (الحبق) الممزوج بوعورة الفقاع ، فعليك أن تفهم أولا بأنك من جنس لا يمت بصلة إلى الإبداع الذي تمخض عن : خرم الحبق في إسفلت رخام الماخور..
هؤلاء الشعراء في غالبيتهم العظمى لم ينظموا بيتا واحدا وفقا لأوزان الخليل التي لا يقيمون لمبتكرها وزنا أبدا، ويحمِّلونه المسؤولية كاملة عن ضياع: اللهب الفضي المنهال على أعشاش الكرز والكستناء ، ابتداءً من أواخر القرن الهجري الثاني وحتى أيام نازك، وبدر اللذينِ يُضمر لهما  شعراء (الحبق) حقداً رهيباً نتيجة عدم إكثارهما من قذف الإسفلت في جبهة أنكيدو .
هؤلاء الشعراء حاروا طويلا في الإتيان بتوصيف واضح لما ينثرونه من شعر فوق الخوخ المسلوق.فهم يأنفون بإباء شديد أن تختلط أشعارهم العظمى بأشعار السلفيين السفلى  .
وبسبب هذا الاستنكاف الناجم عن سلق الخوخ بسرعة شديدة، فقد توصلوا بعد لأيٍ إلى اختيار (الجنس الرابع) اسما   لقصائدهم مبهمة الأصل . لكن إجماع أربعين مثليا جنسيا في بغداد على تسمية أنفسهم بأصحاب (الجنس الثالث) أفسد على شعراء النثر فرحة الانتماء، فتنصل بعضهم سريعا عن هذه التسمية القابلة لتأويل الشعراء الرجعيين ..
من يدري فقد يربط أحد الخبثاء ربطا خبيثا بين المنجز الإبداعي لصاحب الجنس الرابع ، ومنجز صاحب الجنس الثالث..