الوجوه النخبوية التي تعشق النظر الى شكلها الفتان على شاشات التلفاز أثقلت أسماعنا – بعد الانتخابات – بمفردات الجهل واللاوعي ، لتوصيف تلك الجموع التي خرجت لتدلي بأصواتها في صناديق الاقتراع ، حيث اهم ممارسة ديمقراطية في الشرق الأوسط يحتضنها العراق .
ولان هذه الوجوه من سنخ الملائكة كانت تتألم حد ( الكلاوات ) من النتائج غير الصحية التي تفرزها صناديق الاقتراع ، بسبب الخيارات غير الموفقة التي يؤشرها الناخب العراقي . فتكون هذه فرصة فضائية ل ( غير المصوتين ) للردح الإعلامي ، وعلى إيقاع أنشودة ( علّمني الاسباب عن وكفة الباب ) ! .
ولاني لا أحفل كثيراً بمن سيكتسب صفة ( كبير الحرامية ) رسميا سوف اتجاوز البعد السياسي لهذه التوصيفات ، وأتناول ابعادها الأكثر عمومية والأشد خطرا .
ان هذه التوصيفات التي تتناول المواطن العراقي و ( جهله ) الأزلي ليست حكرا على البرامج التلفازية ، لكنها كأحاديث ( الصحيحين ) متفق عليها . فنجد ان المؤسسات السياسية والإعلامية والإنسانية وحتى الاقتصادية الغربية تستخدمها ، وتبكي على جهل هذا الشعب المسكين . فيما تطبل المؤسسات العروبية ورؤوس الأموال الصحراوية على إيقاع الأباعر – حمدا لله – انها لا تعاني هذا المستوى من الجهل الذي يعانيه العراقيون ، وأنها ترفل تحت ( عگل طوال العمر ) بالعلم والبصيرة والجنس ، مرددة تلك الأنشودة الخالدة ( حنه تنظيم اسمنه القاعدة .. نگطع الروس ونبيد العدا ) . بينما تزهو الجماجم البلاتينية للنخب السياسية العراقية الحاكمة او الحالمة انها ارقى الكائنات على الكرة الأرضية – بعد الغربيين والأسياد في الدول المجاورة – ، وأنهم – ولله الحمد – ليسوا من ( المعدان ) ، لكنهم الجنس الآري العراقي ، وبذلك هم وحدهم من يستحق ان يحكم ، رغم انهم يعيشون على دماء وثروات وأصوات المعدان ! . وأنكى هذه التوصيفات هي تلك التي يتم استخدامها داخل الحوزة العلمية الدينية من قبل العمائم المحترفة وكبار القساوسة ، لتوصيف اكثر من ٩٠ ٪ من طلبة العلوم الدينية من العراقيين .
السادة اصحاب الدم النقي من الآريين المحليين والدوليين ..
ان الشعب العراقي كما يعلم باطنكم من اكثر الشعوب عمقاً حضاريا ومعرفيا ، واكثفها مبدأً ، لا عنصرية مني ، لكن التاريخ لا يسمح لنا بتجاوز هذه الحقائق . ان العراق احتضن اقدم الحضارات الأزلية ، وتنعم باعدل وأنبل حاكم اسمه ( علي بن ابي طالب ) وكلكم تعرفونه ، كما انتقلت اليه كل القبائل والمجتمعات التي رباها أسمى الأنبياء ، فيما قامت على ارضه الدولة المدنية الأطول حكما ، وكان ولازال يضم ارقى المؤسسات العلمية من القرون الوسطى وحتى اليوم ، لذلك لم تمر عليه – علميا – الفترة المظلمة ، ويمتلك أهله عقلاً تمّ توصيفه ب ( الجدلي ) لقوته ، كما انه الشعب الذي بقي يحكم نفسه ذاتيا رغم كل الاحتلالات والقوى المستعمرة ، حيث رفض الخضوع والخنوع ، ولم يستطع الغزاة خداعه بالدين او المذهب او المدنية ، وهو اليوم من الدول القليلة التي يستطيع أهلها إدارة ثرواتها . لكن هناك سادتي ما جعل من هذا الشعب يعاني مرارة التجهيل لا الجهل ، ولنتحدث فيها قليلا ..
العثمانيون .. ازاحوا ضيّقوا وشددوا على اهل العراق الأصلاء ، لأسباب مذهبية وطائفية ، وحرموا أبنائهم من التعليم ، وعوائلهم من الاستقرار ، ونشروا الفتن بينهم ، ليفرقوهم ..
الانگليز .. قاموا بتصفية نخب العراق وعقوله والاشراف فيه ، ثأرا ومكرا ًوحقدا واستعدادا لنهب ثرواته ، وجاءوا بالبدو والشركس وغيرهم ، ليضعوهم على سدة الحكم ، لتبدأ الحكاية ..
البدو والغرباء .. جاءوا – بالتعاون مع الاحتلال الانگليزي – بكل منبوذ ليضعوه في مؤسسات الدولة العراقية الجديدة ، تماشيا مع نفوسهم المظلمة ورغباتهم الوحشية ، ومنعوا اهل العراق المخلصين من التصدي لمسؤولية بناء بلدهم ، وشعور هؤلاء البدو والغرباء من أذناب الانگليز بالنقص امام اهل العراق الذين رفضوا الخضوع للأجانب جعلهم يكيدون لهم ويرمونهم بكل موبقة ، ورمتني بدائها وانسلت ، وفيما تتشرف ارض العراق بأقدم مؤسسة علمية تمتد الى زمن رسول الله جاء هؤلاء البدو ب ( يمني ) كل ميزته انه طائفي بغيض ليضع المناهج التعليمية في العراق ! ، فصار العراق من خراب الى خراب ..
العربان في الدول المجاورة .. عملوا جاهدين إلّا يصل اهل العراق الأصلاء الى سدة الحكم ، فبذلوا أموالا ليست لهم في سبيل حرق البلاد العراقية في الجنوب ومنع أهلها من استحصال حقوقهم ..
العمائم الفضائية المخملية ورجال الدين ( العوفي ) من الغرباء وربائبهم .. عملوا جاهدين على تحقير شخصية العراقي ( الجنوبي ) ، واظهروه ( ساذجا ، بليدا ) ، ليس له ان يصل درجة الاجتهاد ولو اكل التراب مدة دهره ، لأنهم أدركوا انه الوحيد القادر على كشفهم ، وانه الأقدر على الوصول لمبتغاه العلمي ، مع مبدأية لم يحملوها يوما . لذلك عمدوا – بعد ان تمكنوا من القرار والمدار – على ابقاء دائرة الجهل في المنبع ، حيث تركوا الجنوب يتيه تحت ضربات السلطة والأجانب والبدو ، فالوقاية خير من العلاج .
السياسيون البراغماتيون والاسلامويون .. يدركون ان الوعي هو اخطر أعدائهم ، وان اليوم الذي ينتشر فيه الوعي هو ذاته يوم انحدارهم ، لذلك عملوا على توسيع ما وجدوه من معادلات التجهيل ، بالتحالف مع كل تلك الجهات أعلاه . بل وخلقوا جبهات جديدة تشغل العراقيين وتقض مضاجعهم ، تأسيا بسياسة البعث التي ورثوها بجدارة وشيطانية ..
النفعيون والانتهازيون والانهزاميون .. طوابير من النشطاء الذين يعتاشون على بقاء معادلات الجهل ، ويذوبون في تقبيل الأقدام ، لذلك يعملون على تفشيها وانتشارها ، ويحاربون من يحاربها ..
اذن ايها ( الخليط الخنفشاري ) من المتشدقين والمتلونين والمتفيقهين .. ان مشكلة العراقيين هي وجودكم في هذا العالم ، لتنوبوا عن ابليس ، الذي اختفى خجلا من فعالكم ..
فيما العراقيون ظلوا ضحايا طيبتهم وترحيبهم بالغرباء ..
اما الشعب العراقي .. فجوابه للسادة أعلاه ، من روّاد مقاهي الفضائيات وعمائم الحرير وساسة القصور والليالي الحمراء باختصار :
( انا بيا حال والدفّان يغمزلي … ) .