قبل ان ندخل في الموضوع علي ان اذكر القارئ الكريم في دقة تقارب جوهر الاحداث بين لبنان والعراق وكأن التجربة تكون في لبنان ويتم تطبيقها في العراق من بعد. لقد بدأ الحراك المطلبي اللبناني والعراقي في آن واحد تقريبا وكانت مطالب المتظاهرين السلميين منطقية ومحقة وواضحة ولكن سرعان ما دخل عليهم ريح فاسد فرويدا رويدا انتقلت المطالب من معيشية خدمية الى سياسية ومطالبة استقالة جميع السياسيين وفي اللهجة اللبنانية كلن يعني كلن. ثم تحولت من السلمية الى قنابل المولوتوف والسلاح الابيض والرشاشات وقطع الطرق والنيران والعراق كان نصيبه ان يكون اكثر دموية مع ادانة تدخل العسكريين بهمجيتهم في تفريق المتظاهرين مما تسبب في ازهاق الارواح جزئيا والباقي من قبل مندسين عملاء لجهة معادية للعراق. وانتقل الحراك في لبنان لتعميم وتبييض صورة المحكوم عليه بجريمة قتل رئيس وزراء لبنان الميليشاوي الامريكي الاسرائيلي سمير جعجع واظهاره كوطني ديمقراطي لانه استقال في بداية الحراك، وسعد الحريري الذي هو وابيه كانا السبب المباشر في التدهور الاقتصادي والمالي في لبنان و30 سنة من الفساد ولكن يعد استقالة الحريري اصبح الحريري مطالب بالعدول (كما رئيس جمهوريتنا الذي هدد بالاستقالة) عن استقالته لان في نظرهم هو رجل المرحلة بترأسه الحكومة اللبنانية من جديد وان المتهم بالفساد والرشوة هو السيد حسن نصر الله وحزبه وحلفائه في التيار الوطني المسيحي ورئيس الجمهورية ميشيل عون ووزير الخارجية جبران باسيل وحركة امل ورئيس البرلمان نبيه بري. الا يجعلنا ان نتسائل هل هناك مايسترو واحد لهذه الفوضى في البلدين لبنان والعراق اينما وجدت مقاومة المحتل؟ ما مدى تقارب المشهد اللبناني من العراقي اذ اليوم في العراق المتهم هو الحشد الشعبي وحلفائه بالفساد وان السيد برهم صالح صديق امريكا والسيد فائق شيخ علي صديق امراء السعودية والكويت حسب ادعائه قبل ايام على قناة دجلة العراقية اصبحا مشهوران بالشخصيتين الشعبيتين والمرغوبتين في ساحة التحرير، نرى صورهما على جدران واكشاك التحرير والمطعم التركي الشهير بجبل احد.
لقد التبست علي الصورة واشتبكت بقصة من الماضي الشعبي العراقي الجميل وهي قصة حسنة ملص وعباس بيزة.
لم تأت شهرة حسنة ملص من كونها من أعتق بغايا ومحلة الصابونجية او الكوكنزر او الكلجية او الميدان فقط .. ولم تدخل التاريخ لكونها اشهر عاهره مبتذله وقواده .. ولا لكون الشاعر الراحل رحيم العراقي اسبغ عليها لقب الدكتورة حسنه ملص في قصيدته الشهيرة …بل اشتهرت بعد ان ارتبط اسمها بقصة سياسية غاية في الطرافة .
فبغداد بعد ثورة 14 تمو, انقسم سكانها الى معسكرين سياسيين غريبين في الالفه والتوجه أسوة بباقي مدن العراق… الأول القوى الشعبيه والديمقراطية والماركسية الملتفه حول الزعيم عبدالكريم قاسم. والثاني معسكر يضم القوى القومية والبعثية والاسلامية والذي يلتف حول الرئيس جمال عبدالناصر . والمعسكران كان الفرق بينهما فكري سياسي لاعلاقة للطائفة به فترى في كل معسكر مختلف انواع النسيج الاجتماعي …وصلت العلاقات السياسية بين العراق ومصر اي الجمهورية العربية المتحدة انذاك, الى مرحلة من التأزم وتبادل الشتائم عبر أجهزة الاذاعات والصحف. وكان سفيرالعراق في القاهرة فائق السامرائي قوميا, فتمرد على حكومة عبد الكريم قاسم ورفض العودة الى العراق. وطلب حق اللجوء السياسي في القاهرة . وشكل تجمعا سياسيا بأسم “التجمع القومي”. ووضعت بتصرفه اذاعة صوت العرب والتي كانت تسّب وتشتم نظام الحكم في العراق.
وكان صوت مديرها أحمد سعيد ينتشر في الآفاق مجلجلا لنشر اخبار ونشاطات وبعض الامور الخارقة عن جمال عبد الناصر وكان يعتبره فلتة زمانه..
وبنفس الوقت كان يشنع ويذم عبد الكريم قاسم حتى قيل أن ناظم الطبقجلي، زعيم الانقلاب على حكومة عبد الكريم قاسم، اشتكي لزوجته التي كانت تزوره في السجن، وطلب منها ان توصل رسالة إلى جمال عبدالناصر تترجاه أن يخفف أحمد سعيد في صوت العرب من شتم عبد الكريم قاسم باسم الدفاع عن ناظم الطبقجلي والذي اعدم عام 1959 .
فما كان من المعسكر المناصر لعبدالكريم قاسم الا وارسل خبرا الى المذيع الاشهر في أذاعة صوت العرب المصرية أحمد سعيد . مفاده ان الشيوعيين قد القوا القبض على السيدة الفاضلة العروبية المجاهدة “حسنه ملص” وراحوا ينكلون بها وبشرفها. وكذلك تم القاء القبض على المناضل المجاهد عباس بيزه ” عباس بيزه هذا من اشهر قوادي المنطقة ايضا “فما كان من الاذاعي الكبير صاحب الصوت المجلجل احمد سعيد الا وان راح يطلق تعليقات صارخة بدون ان يتأكد من الموضوع عبر الاذاعة الاشهر في تاريخ اذاعات العرب وقتذاك , يندد فيها بحكومة الزعيم وبالشيوعيين وهو يردد بالنص:
“اذا ماتت حسنه ملص فكلنا حسنه ملص” .
كلنا حسنه ملص …. كلنا عباس بيزه … من المحيط الى الخليج ..
فما كان من السامرائي الا ان يستشيط غضبا من “المقلب” الذي وقع فيه الاذاعي الكبير احمد سعيد. واصبحت هذه الاذاعة مثارا للسخرية من قبل العراقيين ..وطلب السامرائي من احمد سعيد ان يعرض عليه لاحقا اي خبر او معلومة تصله من بغداد . طبعا بعد ان احاطه علما بحقيقة المناضله “حسنه ملص” والمجاهد ” عباس بيز “.
لكن مع الاسف الامر في العراق يمر في مأساة مركبة حقيقية لان اساس العملية غير صحيح يبدأ بتبعات محتل وافرازاته ووينتهي بالمحصلة جميعنا نحتسي منها السم الزعاف. لكن يبقى الامل كبيرا طالما ان هناك حشد من الناس عيد.