ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتضحياته كانت لتحرير المجتمع ليستقيق من عملية التخديرالتي إنتابته ، ولهذا حث أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) على إستذكار واقعة كربلاء لكي يستمر الطريق لأيقاظ هذه الأمة من سباتها ، فكانت كربلاء وسيلة راقية لتحرير الأمة لإستعادة وعيها ، ولكن نرى أن هناك من حول شعائر كربلاء الى وسيلة لجلد الذات بدلاً من تحريرها ، فضرب كربلاء في الصميم ، وإن إعادة كربلاء التضحية الى مكانها الحقيقي ورفع التحريف عنها يستدعي إعادة نشر مفهوم تحرير الذات ، ونبذ مفهوم جلد الذات ، وعند مناقشة شعائر الحسين ( عليه السلام ) من حيث القبول أو الرفض يجب النظر إليها من حيث مساهمتها في تحقيق هذا الهدف أو عرقلة تحقيقه ، فالقبول بشعيرة لايكون على أساس أنها حلال وغير محرمة أو مباحة ، وإنما يجب أن يكون على أساس مدى فعاليتها في إستنهاض المجتمع ليكون حسينياً وليتبنى بصدق أهداف الحسين وثورته وليس من أجل الشعارات ، ورفضها عندما تكون فلكلوراً أو شعارات زائفة ، وتنبيه المجتمع لذلك ، وخطورة ممارستها بما يناقض أهداف الثورة الحسينية ، فمثلا إن النظر الى التطبير لا يكون على أساس إيذاء النفس أو عدم إيذائها ، أو على أساس إنه عمل غير مرغوب ويسبب الإستهزاء والإستهجان من الغير ، إنما يجب النظر له أيضاً من جوانب أخرى وهي أكثر أهمية لإرتباطها بالهدف والغاية الإلهية والثورة الحسينية ، فهل إن شعائر التطبير عند ممارستها من المجتمع تكون غايتها تدريب النفس والجسد على مواجهة الصعوبات والإستعداد للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل المباديء والوطن ، وفي سبيل السير على طريق الحسين ، فعندها تكون وسيلة وشعيرة محفزة ترتبط بغايات نبيلة تساهم في تحرير فكر الإنسان وترقية وعيه وعلو همته والسمو لروحه وشفافيتها ويجب عدم الوقوف ضدها ، أما إذا مارسها المجتمع لأجل غايات دنيئة منحطة متسافلة حتى وإن إدعى أنه يمارسها كشعيرة ، فإن النيات مهمة جداً عند المشرع _ وسنتطرق لسبب ذلك _ ، فإننا نرفضها ونواجهها لأنها ستساهم في أكثر من مرض منها إنحدار المجتمع يوماً بعد يوم ، ومنها تحريف الشعائر والغاية منها ، ومنها معاداة طريق الحق الإلهي ، وطريق الثورة الحسينية ، وطريق المظلومين ، والوقوف مع الظالمين ، وإذا مورست هذه الشعيرة على سبيل الرياء فستكون الهاوية ، وليس لأحد أن يقول بجواز ممارسة الشعائر على سبيل الرياء ، فإن الشعائر هي جزء من الدين ، والرياء يبطل الأعمال بنظر الدين ، ثم إن الأعمال لها أهداف ونتائج متوخاة منها ، فإذا مورست على سبيل الرياء تخلفت النتيجة ، فالشعائر الحسينية تمارس لأستنهاض المجتمع للدفاع عن حقوقه وحقوق المظلومين ومواجهة الظالمين والفاسدين ، فإذا مورست على سبيل الرياء فهذا يعني أن المجتمع لن يستفيد منها لفقدان الواعز الداخلي للنهضة والسير في طريقها ، وأن هذا يعني هزيمة داخلية في نفوس الناس ، فهم لا يستطيعون السير في طريق الثورة فيلجأون للرياء ، والقبول بهذه النتائج جناية على المجتمع ، والجميع يستغرب كيف يقبل البعض بممارسة الشعائر الحسينية على سبيل الرياء . إذن يجب أن يكون النظر للشعائر الحسينية من أكثر من جانب ، وأن نعطيها الأهمية ، وأن نحافظ عليها من التحريف لكي تبقى تحقق الغاية المرجوة منها ، وإن أردت معرفة مدى ممارسة مجتمع ما لشعائر الحسين بصورة صحيحة ، فلاحظ المجتمع هل يعيش في عزة وكرامة أم إنه يعيش الذلة والمهانة . إن تحويل الشعائر الى وسيلة للهروب من واقع الهزيمة الذي يعيشه المجتمع هو وسيلة من وسائل جلد الذات ، فالمجتمع نتيجة الإنحراف يجد نفسه بعيداً عن أهداف وغايات ثورة الحسين عليه السلام يلجأ الى جلد الذات هروباً من مواجهة الحقيقة وكان الأحرى بالمجتمع ومن يتصدى لقيادته أن يحاول جهد إمكانه أن يداوي أمراضه ويسعى لمواجهة الحقيقة للرقي والإلتحاق بالركب الحسيني بدلاً من اللجوء الى أفعال وسلوكيات تدلل على هروبه من المواجهة ، فالهروب لن يوصل المجتمع الى نتائج إيجابية ، وسيظل ينحدر يوماً بعد يوم ، وسيظل يبحث عن أفعال وسلوكيات جديدة للهروب من المواجهة ، ويكون كما قال المرجع السيد الصرخي (( عندما يرتكب المجتمع جريمة ويتيقن أنه أخطأ بذلك ، وأن ما فعله يخالف ما يدعيه ويظهره فسيشعر بالحرج ، ويعمل على تحسين صورته أمام نفسه والآخرين ، ويحاول بوسوسة شيطان أن يجد لنفسه المبرر لجنايته ، فيفلسف عمله ، ويقلل من خطورته وتأثيره ، ومن هنا ظهرت ردود فعل كثيرة ومتنوعة من أهل الكوفة ممن غدروا وقتلوا الإمام الحسين )) ، وعلينا أن ننقذ أنفسنا من هذه الأخلاقية ونكون كما قال المرجع الصرخي (( إذن لنكن صادقين في نيل رضا الإله رب العالمين وجنة النعيم ، ولنكن صادقين في حب الحسين وجدّه الأمين “عليهما وآلهما الصلاة والسلام والتكريم ” بالإتباع والعمل وفق وطبق الغاية والهدف الذي خرج لتحقيقه الحسين ” عليه السلام ” وضحّى من أجله بصحبه وعياله ونفسه ، إنه الإصلاح ، الإصلاح في أمة جدِّ الحسين الرسول الكريم ” عليه وآله الصلاة والسلام ” . وهنا لابد من أن نتوجه لأنفسنا بالسؤال ، هل أننا جعلنا الشعائر الحسينية ، المواكب والمجالس والمحاضرات واللطم والزنجيل والتطبير والمشي والمسير الى كربلاء والمقدسات هل جعلنا ذلك ومارسناه وطبقناه على نحو العادة والعادة فقط وليس لأنه عبادة وتعظيم لشعائر الله تعالى وتحصين الفكر والنفس من الإنحراف والوقوع في الفساد والإفساد فلا نكون في إصلاح ولا من أهل الصلاح والإصلاح ، فلا نكون مع الحسين الشهيد ولا مع جدّه الصادق الأمين ” عليهما الصلاة والسلام ” )) .