ينحرف مصب شط العرب نحو اليمين بإتجاه الاراضي العراقية، بفعل تيار النهر الجارف، وبفعل الترسبات الغرينية التي يتركها النهر على الجانب الأيسر، وهي جزيرة عبادان، عند منطقة رأس البيشة. وقد بلغ هذا الإنحراف ما يزيد على كيلو وثمانمائة متر تقريباً. ومن المعروف ان خط الحدود العراقية الإيرانية المائية تحدها نقطة الثالويك في شط العرب، فإن الاراضي التي خلّفها إنجراف النهر تعتبر مع مرور الزمن أراضي أيرانية، يصعب التفاوض بشأنها، وإعادتها، إذا لم يقم العراق، الآن، بإعادة مجرى النهر الى ما كان عليه في التأريخ الذي جرى توقيع إتفاقية الجزائر عام ١٩٧٥، وهذه بحد ذاتها قضية آخرى.
المشكلة الثانية التي لا تقل خطورة عنها، هي أن مسألة انحراف مصب النهر في رأس البيشة، يعني أن المياه الإقليمية العراقية قد جرى إنحرافها هي الأخرى، بحيث يصبح معها ميناء البكر، وهو أكبر ميناء نفطي عراقي، مع منشآته، وخطوط أنابيب نقل النفط العراقي، ضمن المياه الإقليمية الجديدة لإيران.
إن العراق، مدعو الى إعادة مجرى النهر، الآن، وقبل فوات الأوان. وقبل أن تدعي إيران، وقد تستند الى القانون الدولي، بملكيتها تلك الاراضي، لمرور زمن محدد بالقانون الدولي، يسمح لها الإدعاء بملكيتها. وإن العراق بقدراته السابقة المعروفة، من شركات وطنية وخبرة مشهودة، وبهمة وطنية عالية، وإذا ما تعاون مع دول إقليمية، كمصر، على سبيل المثال، التي أثبتت قدرة في شق قناة جديدة في السويس، ولديها المعدات الفنية، والقدرات البشرية، و/أو مع دول مشهود لها بذلك، كبلجيكا، التي للعراق تعاون معها في تطهير المجرى البحري في خور عبد الله، يستطيع العراق، بكل ما ذكرت، أن يتجنب كارثة، وكارثة حقيقية بكل المقاييس، تلوح أمامه في الأفق.إن التباطئ في إتخاذ قرارات حاسمة في مسائل مصيرية تهدد السلامة الإقليمية للعراق يبعث على الحيرة، ويثير تساؤلات، كثيرة، أبسطها، لمصلحة من هذا التلكؤ في وضع أسس لعمل واضح المعالم، يضمن من خلالها أن لا تكون أراضي ومياه العراق عرضة لأطماع دول أقليمية، ومهددة بالضياع، وهنا أضيء لمن بيده صنع مثل هذا القرار، أن دول الإقليم تعمل وفق إستراتيجيات مدروسة، ولديها مؤسسات فنية وقانونية، وتمتلك القدرة في أن تجد كل ما يَصْب في مصلحتها، وتبحث عن أي ثغرة تجدها في مثل هذه الحالة، سواء بجهدها الذاتي، أو بالإسترشاد وطلب الخبرة من مكاتب الخبرة العالمية المتخصصة بهذا الشأن، وتستغل اَي تهاون تجده لدى الطرف الآخر من أجل تثبيت فائدتها، ومد نفوذها قدر إستطاعتها الى مجال حيوي في الإقليم، وهي لا تبالي بطروحات الإخوة وحسن الجوار، والى ايٍ من المصطلحات التي تغلف ديباجات البيانات ، ومذكرات التفاهم، وحتى الاتفاقيات في أحيان أخر، التي تنشأ بين العراق وتلك الأطراف. فالمعطيات هي ما يثبت على الارض، ولا شيء غير هذا، ومعطيات الواقع العراقي تظهر للعلن أن أراضٍ عراقية ومياه إقليمية عراقية ومنشآت استراتيجية مهددة حالياً بالضياع، وأن هناك في أحسن الأحوال تهاون في الذود عن تلك المواقع العراقية المهددة بالضياع، وإذا ما فقدت هذه الاراضي والحدود المائية التي يرسمها مجرى شط العرب، ومصبه، وهي على هذه الحالة الموجودة، فليس بمقدور العراق، إن أمعن في التماهل وضيع ما متاح أمامه الآن، أن يستعيدها مطلقاً. وهناك كثير من الشواهد التي بموجبها ضاعت أراضي عراقية نتيجة التهاون، ولا أريد أن أشكك هنا في دوافع أو ذمة أحد، ومفترضاً قدراً كبيراً من الوطنية والشعور بالمسؤولية لدى من يتحملون مسؤولية هذا الملف. رغم ما يتطاير هنا وهناك من تلميحات عن ضغوط من أطراف بعينها تستجيب لما يملى عليها في مسائل الحدود، وهي تحاول الضغط بهذا الشأن، ولا يمنع ذلك أن تكون هذه الأطراف هي التي قد تعرقل، أو تحاول عرقلة، وجود قرارات حازمة، وإجراءات تنفيذية فاعلة لحسم موضوع إنحراف مصّب شط العرب.