22 ديسمبر، 2024 12:14 م

الكلمة التي تكتبها تكون كالرصاصة ان انطلقت لايمكن اعادتها هذا ما قالته غادة السمان ، وهذا الوصف هو اصلا قد ذكر في تراث اهل البيت عليهم السلام ، واخطر انواع الكلمة هي التي تتحدث عن التاريخ هذا على مستوى العلوم ، واما قول الحق فانها مسالة المفروض تكون من صميم اخلاق الانسان

التاريخ هذا المنجم بكل العلوم هو امانة بين من يكتبه وينقله ويحفظه ومن هذا المنطلق الاحظ في كثير من الكتب قراءة احداث او احاديث عن مجاهيل فيما يخص التراث الاسلامي ( سنة وشيعة ) قال فلان ولم يذكر اسمه فقام رجل ولم يذكر اسمه وهكذا ، ومن هذا المنطلق يتحتم على القارئ اللبيب ان يدقق في كل ما يقرا ، نعم قد تكون لديه ثقة مطلقة لمؤرخ او كاتب معين فلا يدقق بعده وهذه الثقة المفروض تاتي عن عقل وتجربة لا عاطفة وعنصرية .

استغرب من الكاتب الكبير المرحوم د علي الوردي وهو يسرد في كتاباته احداث اقاويل بين الموضوعة اي هو يضعها وبين المفردة فيعممها على مجتمع او شريحة باسرها ، واغلب ان لم تكن كل كتاباته هي تحامل على ماهو سائد في المجتمع دينيا او اجتماعيا اي انه لا يقبل عليها اطلاقا واذا صادفه موقف ايجابي يذكره بثلاث او خمس كلمات اما الراي السلبي يسرد له حكايات لمجاهيل او قد تكون حدثت امامه بشكل عابر او حدثه شقاوة يرتاد المقاهي يبرز عضلات لسانه لاجل عضلات زنده .

طبعا الحديث عن هذا الرجل لاينقطع لانه الى الان تطبع كتبه التي الفها قبل سبعين سنة ولها قراء ومتاثرين فيها ، وحتى لا اظلم الرجل اذكر عينة مما قرات في كتابه “دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ” ، والموضوع الذي اتحدث عنه هو دراسته عن الشيخ في الريف وبدا يصف طبيعته واخلاقه ومن ثم يسرد الامثلة على ذلك حتى اذا اراد ان يستشهد بقصة مدح فانها تكون غير منطقية وتكون اقرب الى الذم منه الى المدح مثال ذلك في ص 222، بعد ان مدح شهامة الشيوخ في الريف ،قال:  ان الشيخ في الريف يود ان يكون مشهورا بحماية الجار والدخيل ـ لاحظوا يود وليس من طبائعهم ـ وذكر قصته الخيالية وهي : يروى ـ فعل مضارع مبني للمجهول يعني القائل مجهول ـ ان رجلا ـ مجهول ـ من احدى القبائل الريفية ـ مجهولة ـ لاذ دخيلا بشيخ قبيلة اخرى ـ مجهول ـ وصادف ان ابن شيخ هذه القبيلة كان قد قتل ابن الدخيل ، وقد تالم الدخيل من ذلك واراد الرحيل ، ولكن شيخ القبيلة لما علم بذلك وسبب رحيله ، قتل ابنه حتى يبقى الدخيل ولا يتحدث عنه الاخرون بالعار بانه لم يحم الدخيل …انتهى

اي عقل يصدق هذه الحكاية ، وهل الدخيل يجهل القاتل اذا كان ابنه القتيل ولا يعلم من هو ومن عشيرته ؟ وهل عجز شيخ القبيلة عن الحلول الا بقتل ابنه فلذة كبده ؟ اية حماقة هذه يذكرها الوردي ليثني على شهامة شيخ القبيلة الاحمق؟

وهو القائل ان الشيوخ بعضهم اكثر ميلا للمروءة  ولم يضرب مثلا على ذلك وكتب التاريخ متخمة بهذه المواقف،  وبعضهم اكثر ميلا للاستبداد هنا تتفتح قريحته لضرب الامثلة كما جاء انفا

يعود ليذكر قساوة وعنف شيوخ بعض القبائل فيذكرهم بالاسم مثلا الشيخ وادي بن شفلح شيخ زبيد عينته الحكومة العثمانية رئيسا عاما على قبائل الفرات الاوسط سنة 1833 وعينت له كاتبا هو الملا جاسم الهندي ، فكان يعذب من لم يدفع الاتاوات والضرائب فقد وضع رزم من العاقول اي الشوك ويقوم شد من لم يدفع بالحبال كما تشد الاباعر والحمير ويمررهم على العاقول ( ص224)

تعرض لنقطة صحيحة كانت من سياسة الدولة العثمانية وهي اقتطاع اراض ومنحها لاخرين لاجل الفتنة، وذكر مثالا على ذلك اقتطاع اراض من قبيلة بني جحيش الى شيخ البو سلطان ، وعندما اشتدت المعارك بينهما قال قائممقام المنطقة العثماني ” بأسهم بينهم “( ص225)

وهنا لابد له من ان يعرض على انتقاد رجال الدين فجاء بقصة من وضعه لانها كلها مجاهيل يقول طريفة يحكى ان سيدا معمما من سلالة رسول الله كانت له مزرعة يعمل فيها مجموعة من الفلاحين قاموا بسرقته فدعا عليهم وصادف مع الدعاء مات كبيرهم في اليوم الثاني فخافوا منه وهربوا من مزرعته وعلى ضوء ذلك ترك الزراعة ليصبح رجل عارف ( ويشور )،

رحمك الله يا وردي انت تقول صادف انه مات فهل كل ادعيته ستكون مقرونة بالمصادفة حتى يصدقه الناس؟ ، ولماذا لم تتفضل علينا وعلى التاريخ بذكر اسم هذا السيد المعمم ؟ (ص228)

ان جهود الوردي في كتابته جعلتنا نعرف الحق من خلالها بالنظر الى نقيضها ، ورحم الله الحاج الملا محمد ال جبور عندما الف كتيب صغير بعنوان ” اضغاث احلام في مزالق الوردي ” فما كان منه الا ان تجاهله ونعته بما لا يليق به .