رحم الله رئيس الوزراء الاسبق الباشا نوري سعيد فقد امتلك هذا السياسي المحترف في فن السياسة القدرة على استقراء المستقبل عندما شبه نفسه بغطاء ” البالوعة ” يوم جادلة احد نواب البرلمان وطلب منه ترك منصبه فقال له الباشا السعيد ” انا كغطاء البالوعة عندما يرفع ستخرج من البالوعة روائح كريهة تشمئز منها النفوس ” في اشارة الى الفوضى التي ستعم العراق .. ولم يكن الباشا السعيد منجم ولا عالم فلك لكنه كان يمتلك القدرة على استقراء المستقبل بعقلية متميزة فاقت عقلية علماء الاجتماع .. وقد اثبتت الاحداث المتلاحقة التي اعقبت سقوط النظام الملكي بعد انتفاضة العسكر عام 1958 وسقوط النظام الملكي رجاحة الفكر المتنور الذي يمتلكه الباشا نوري سعيد حيث قتل ومثل بجثته في شوارع بغداد بعملية لاتخلوا من وحشية وبشاعة كان من نتائجها دخول البلاد في اتون صراع سياسي بين الاحزاب المتناحرة للاستيلاء على السلطة بعد ان خرجت من جحورها يومها كان العراق في بداية عهده الجمهوري عهد لم يجلب للبلاد غير التناحرات والصراعات الحزبية التي كان من نتائجها سفك مزيدا من دماء الابرياء من ابناء شعبنا الصابر المحتسب الى الباري عز وجل حتى بات المواطن يأسف لسقوط النظام الملكي الذي كان يضم نخبة من الشخصيات السياسية التي لم تتلوث اياديهم بالفساد المالي مثلما يحصل الان .. كان المواطن العراقي في ذلك الزمن الجميل يشعر بالامان فلا توجد بينه وبين اركان النظام الملكي حواجز كونكريتية معزولة .. كان المواطن يتفيأ تحت ظلال اشجار النخيل المنتشرة بكثافة في ربوع عراقنا والتي باتت اليوم وفي عصر النهضة ميته يتيمة تبحث عن المنقذ الذي يعيد لها كرامتها بعد العز الذي مرت به .. كان المواطن يعيش حياة البساطة حيث يستنير ” بالفوانيس ” المنتشرة في الشوارع بعد ان يوقدها ” اللمبجي ” داود وفق اوقات محددة بعيدا عن تدخل السلطة الحاكمه مثلما يحصل حاليا حيث اضاقتنا انقطاعات الكهرباء مر العذاب خاصة بعد تطبيق النظام الحاكم ” الخصخصة ” .. ولنترك الكهرباء وننتقل الى الماء الذي هو عصب الحياة حيث كان المواطن يتمتع بمذاق ماء زلال غالبا مايكون بارد يشبه برودة الثلج ماء صاف يروي عطش المواطن الذي عاش تلك الفترة الجميلة من تاريخ العراق يوم كان فرحا يطرب لصوت الفلس والعانه والدرهم العملة التي غالبا ما كانت تسد حاجياته بعد ان اصبحت هذه العملة في خبر كان نتيجة التضخم حتى باتت لاتلبي طموحاته في شراء عبوة من المياه المعدنية المستوردة بعد ان اصبحت هذه العبوات البديل لمياه دجلة والفرات النهران العظيمان اللذان طالما تغنى بهما الشعراء والفنانين العراقيين ولا ننسى يوم صدحت حنجرة المطرب ” محمد سلمان ” وهو يتغنى بدجلة الخير عندما قال ” ميك يدجلة اشحلوا واشحلوا موجاته ” اليوم تحولت حلاوة نهر دجلة وموجاته الى ذكريات عابرة وبات هذا النهر اشبه باطلال بعد ان اصابه الذل والهوان نتيجة ما يتعرض له من اضطهاد وصل الى حد اصدار فرمان تركي بحبسه حبسا انفراديا في اراضي الغربة بعد فشل الحكومة العراقية في ايجاد الحلول لالغاء العقوبة الفسرية وفك وثاقة لينطلق من الاراضي التركية باتجاه الاراضي العراقية وهو اكثر سعادة ليروي عطش الضمآن ويحرك مكامن الارض العراقية التي احتضنته منذ الاف السنين ليخرج ثمراته .. هذا النهر الخالد بات اليوم يحتضر بانتظار ساعة تشييعه التي باتت في كل حسابات الزمن الحالي قريبة ليحكي بصمت قصة ” تراجيدية ” لاترتقي الى قصص الف ليلة وليلة .. قصة سرق حلاوتها المترفين في دولة تتجاذبها المشاكل والمنغصات لتؤشر صحة المثل القائل ” شر البلية مايضحك ” ولربما وفي محاولة من الحكومة لمعالجة شحة المياه ستلجأ لاخذ احتياطاتها بعد موت دجلة والفرات من خلال تزويد السكان بخزانات مملوءة بمياه الخيبة والخذلان بعد ان فشلت السلطة الحاكمة “مع سبق الاصرار والترصد ” في ايجاد الحلول الصائبة لارواء عطش السكان .