كل المؤشرات تؤكد أنّ التحالفين الكردي والسنّي سيقاطعان جلسة مجلس النوّاب القادمة , فالبيانات والتصريحات الصادرة من التحالفين تؤكد أنّهم يشترطون تقديم التحالف الوطني أسم مرشحه لرئاسة الوزراء , وحضورهم جلسة مجلس النوّاب القادمة يرتبط بالتوافق على أسم هذا المرّشح , على اعتبار أنّ التحالف الوطني الشيعي ليس له اعتراض على مرشحي التحالفين لرئاسة مجلس النوّاب ورئاسة الجمهورية , فالموضوع برّمته يتعلق بأسم المرّشح لرئاسة الوزراء , فهم يريدوا أن يعرفوا مقدّما فيما إذا كان التحالف الوطني سيرشح نوري كامل المالكي أم غيره , فموقفهم صريح وواضح ومعلن , أنّهم لايشتركون بحكومة يترأسها نوري كامل المالكي , والمشكلة لا تتعلق بموقف التحالفين الكردي والسنّي , بل بموقف التحالف الوطني الشيعي الذي يشّكل الأغلبية المطلقة في مجلس النوّاب , فهذا التحالف غير قادر حتى هذه اللحظة أن يتصرّف كونه يمّثل المكوّن الأكبر في البلد ويمتلك 180 مقعدا في مجلس النوّاب .
فلم يحدث في تأريخ الديمقراطيات في العالم أنّ أقلية قد فرضت شروطا مذّلة كالشروط التي يفرضها التحالفين الكردي والسنّي , وليت الأمر يتوّقف عند هذه الشروط المخالفة للسياقات الدستورية والديمقراطية , بل أنّ هذه الشروط فيها من الإذلال والتعالي قد تجاوز كل الحدود , فأي منطق هذا يسمح لمسعود المنفصل بإقليمه أن يتحّكم ويفرض شروطه على تشكيل الحكومة في بغداد ؟ ولو افترضنا أنّ التحالف الوطني الشيعي أراد أن يذعن لشروطه , فهل سيسحب مسعود قواته من كركوك والمناطق التي استولى عليها بعد أحداث الموصل ؟ أم أنّ هذا الواقع الجديد قد أصبح أمرا واقعا كما صرح هو وكل قيادات حزبه ؟ وهل سيسلم نفط حقول كردستان إلى وزارة النفط الاتحادية ويخضع لسياسات الحكومة الاتحادية العامة في بغداد ولا يخرج عليها ؟ , وكذلك بالنسبة للتحالف السنّي , فهل هم أيضا على استعداد للأصطفاف مع الحكومة في حربها ضد داعش والبعث الصدّامي , ويكونوا مع الحكومة في مسعاها من أجل فرض الدستور والقانون وعدم تنفيذ الأجندات السعودية والقطرية والتركية والتي تريد تمزيق الوطن وتفتيته ؟ , فإذا كان التحالفين على استعداد لتلبية هذه الشروط , فحينها فقط يمكن للتحالف الوطني الشيعي أن يناقش شروطهم , وإن كانت ضد مبادئ الديمقراطية وتجاوز على الشعب الذي صوّت بشكل كاسح لتحالف نوري المالكي في الانتخابات الحالية .
أمّا أن يريد مسعود من التحالف الوطني الشيعي أن يرضخ ويذعن لشروطه ولا يرّشح نوري المالكي من دون أن يرضخ هو أولا للشروط التالية , فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا , وهذه الشروط هي : أولا / انسحاب قوات البشمركة من كركوك والمناطق المتنازع عليها إلى ما قبل أحداث الموصل . ثانيا / تسليم نفط حقول إقليم كردستان إلى وزارة النفط الاتحادية بالكامل . ثالثا / عدم جعل كردستان ملاذا آمنا للخارجين عن القانون وتسليم المطلوبين منهم للقضاء العراقي . رابعا / تسليم كافة المعدّات والاسلحة التي استولت عليها قوات البشمركة بعد سقوط النظام الديكتاتوري وبعد أحداث الموصل . خامسا / عدم الخروج على السياسات العامة للحكومة الاتحادية في بغداد واحترام السيادة الوطنية للبلد .
فمن المؤكد أنّ مسعود السائر نحو الانفصال لا يقبل بهذه الشروط التي تعزز الأمن والاستقرار وتحقق السيادة الوطنية للبلد , فوجود حكومة قوية في بغداد لن يتلائم مع مخططاته وطموحاته , ولهذا لا بدّ الخلاص من نوري المالكي الذي أصبح العائق الحقيقي الوحيد أمام طموحاته الانفصالية , فالتحالف الوطني الشيعي هو اليوم أمام اختبار تاريخي ومصيري يتمّثل في رفض كل هذه الشروط المذّلة والمهينة والخارجة عن السياقات الديمقراطية والدستورية , والتوّجه بكامل أعضائه ال 180 عضوا لجلسة مجلس النوّاب القادمة والتهيؤ لانتخاب رئيس جديد لمجلس النوّاب ونائبيه ورئيس للجمهورية من داخل التحالف الوطني , في حالة مقاطعة الجلسة من قبل التحالفين الكردي والسنّي , وليضرب الجميع رؤوسهم بالجدار , فلا أحد بعد الآن يستطيع أن يوّجه اتهاما للتحالف الوطني الشيعي بأنّه قد رفض مشاركة الأكراد والسنّة في الحكومة , خصوصا بعد ان أعلن التحالف عن قبوله لمرشحي الأكراد والسنّة لرئاستي مجلس النوّاب والجمهورية وبدون اي شروط مسبقة , وقد حان الوقت أن ننتفض لكرامتنا ونقول لا للإذلال والابتزاز الكردي والسنّي , فكرامة نوري المالكي لم تعد شخصية , فهي كرامة كل الشعب العراقي الذي تحدى الصعاب وتوّجه لصناديق الاقتراع .