شرق أوسط جديد: صراع القوى وفراغ الرؤية العربية

شرق أوسط جديد: صراع القوى وفراغ الرؤية العربية

لم يعد المشهد في الشرق الأوسط محصورًا في إعادة رسم الخرائط الجغرافية، بل باتت التحولات أعمق، تمس موازين القوى، الأدوار الاستراتيجية، والمسلّمات السياسية التي حكمت المنطقة لعقود طويلة. نحن أمام “شرق أوسط جديد” يتشكل على وقع الأزمات، بقدر ما يصاغ على أساس المصالح والتحالفات الدولية.
الصراع الإقليمي يزداد تعقيدًا بفعل الحروب بالوكالة ما ادت الى الاخلال  في استقرار المنطقة، فاصبحت الدول الأصغر والأضعف هي الخاسر الأكبر.

غنى المنطقة بالنفط يفسر اندفاع القوى الغربية نحوها؛ فالنفط ليس مجرد مورد اقتصادي، بل أداة سياسية واستراتيجية. لذلك لم تتردد هذه القوى في إسقاط أنظمة، أو شن غزوات، أو إعادة إنتاج التحالفات بما يخدم مصالحها.

منذ مبدأ بيجين (1981) القائم على “الدفاع الاستباقي” ضد أي تهديد ، ومرورًا بضرب المفاعل النووي العراقي وصولًا إلى العمليات الراهنة، حافظت إسرائيل على سياسة التفوق العسكري . واليوم، بفضل تفوقها الجوي والدعم الأمريكي ، باتت صاحبة اليد الطولى في مسرح إقليمي مترامي الأطراف.
إلا أن الانتصارات العسكرية لم تُترجم إلى قيادة سياسية، إذ أضعفت الكارثة الإنسانية في غزة شرعيتها الإقليمية، وأظهرت أن “القوة الصلبة” مهما توسعت تظل هشة أمام تحديات الشرعية والدبلوماسية.

كما ان هناك تحديات اخرى في المنطقة مثل طموحات تركيا وإيران في زيادة النفوذ والسيطرة. 

إيران رغم تعرضها لضربات موجعة طالت منشآتها الحيوية وشبكاتها الإقليمية، إلا أنها برهنت على قدرتها على امتصاص الصدمات وإدارة الأزمات ما وفر لها موقعًا ولو محدودا في معادلة الردع.
وتركيا تتحرك برغبة في استعادة مجد إمبراطورية ماضية، مستفيدة من الفراغ العربي ومن تراجع النفوذ الإيراني بعد الضربات التي تلقتها.

ان الحروب الإسرائيلية الغاشمة ومغامرات الميليشيات الولائية  والأزمات الاقتصادية والسياسية المتعاقبة… كلها عوامل راكمت حالة من الفوضى الاستراتيجية. إلا أن الأخطر يكمن في غياب رؤية عربية موحدة فلا مشروع عربي جامع قادر على فرض الاستقرار أو حماية السيادة أو رسم مستقبل واعد للأجيال. هذا الفراغ أتاح لإسرائيل وتركيا وإيران، ومعها القوى الدولية، أن تتحكم بمصير المنطقة.

إن “الشرق الأوسط الجديد” الذي يتشكل اليوم ليس وليد القوة العسكرية فقط، بل هو مزيج من التحولات الاقتصادية، والتوازنات الدبلوماسية، وتحالفات المصالح. ومع أنه يبدو أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، إلا أنه يحمل أيضًا فرصًا مشروطة بواقعية سياسية ورؤية شاملة.
لكن من دون مشروع عربي جماعي، سيظل المستقبل مرهونًا بأجندات الآخرين، بينما تبقى المنطقة في حالة هشاشة مفتوحة على أزمات متجددة.