23 ديسمبر، 2024 3:10 ص

شرعا ً و دستورا ً لا يجوز تشريع قانون لتقييد حرية التعبير

شرعا ً و دستورا ً لا يجوز تشريع قانون لتقييد حرية التعبير

قال سبحانه و تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ. هود 117) و الإصلاح يحتاج إلى كشف الفساد و الفاسدين و أن منع كشف الفساد و الفاسدين يجعلنا عرضة للهلاك، و عليه فإن محاولة قيام مجلس النواب إصدار قانون لتقييد حرية التعبير يشكل مخالفة صريحة للشرع، و يعتبر هذا الأمر مستهجن أن يصدر مثل هكذا قانون من قبل مجلس النواب الذي ينتمي أغلب أعضاءه لأحزاب دينية و هم بالأمس شرعوا قانون يمنع تناول المشروبات الكحولية. و إن كشف الفساد و الفاسدين بعينه هو واجب شرعي لقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. آل عمران 104). و الشرع أباح للمظلومين أن يتحدثوا عاليا ً عن مظلوميتهم و لو بكلام سيء لقوله تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا. النساء 148). و في هذا قال الرسول الأعظم محمد صلى اللّـــه عليه و على آله و صحبه و من والاه: “إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ”.
هذا بالنسبة للشرع أما بالنسبة لدستور جمهورية العراق لسنة 2005 فإن النص الكامل للمادة 38 منه و كما هو منشور على موقع مجلس النواب العراقي الألكتروني www.parliament.iq:
تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:
أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
و كما يلاحظ من النص أعلاه فإن كل فقرة من المادة أعلاه تنتهي بنقطة أي تنتهي عند هذا الحد و بذلك تكون مستقلة بذاتها و بمعناها و لا علاقة لها بالفقرة و بالذي بعدها إلا إذا تم الإشارة إليها. أما عبارة “و تنظم بقانون” الواردة في الفقرة ثالثا ً فهي جزء من هذه الفقرة فقط لأنها مفصولة عنها بفارزة و لا علاقة لها بالفقرتين السابقتين.
و عليه فإن ما جاء في الفقرة أولا “حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل” و بما جاء في الفقرة ثانيا “حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر” لا يجوز تشريع قانون لتنظيمهما بل الدولة تكفلهما بما لا يخل بالنظام العام والآداب و كما جاء في صدر المادة. و حتى حرية الإجتماع و التظاهر السلمي التي جاءت في الفقرة ثالثا فلا يجوز تقييدها بقانون بل يتم تنظيمها بقانون، و شتان بين التنظيم و التقييد، فالتنظيم لا يتضمن أي منع من أي نوع كان إلا بما يتعلق بالنظام العام و الآداب. و لكن مجلس النواب يبدو إنه لا يعرف أو لا يعترف بهذه الثوابت و إعتبر عبارة “و تنظم بقانون” تشمل جميع الفقرات الواردة في هذه المادة الدستورية. أما مصطلح “بما لا يخل بالنظام العام والآداب” الوارد في صدر المادة فهو مصطلح فضفاض غير محدد المعالم و عليه يجب تشريع قانون لتحديد ما الذي يخل بالنظام العام و الآداب ليصبح حجة على الجميع و ليمكن تطبيق المادة 19 – ثانيا ً من دستور جمهورية العراق “لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص، و لا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت إقترافه جريمة، و لا يجوز تطبيق عقوبة أشد من العقوبة النافذة وقت إرتكاب الجريمة”.
و هكذا قانون الذي يريد مجلس النواب تشريعه فإنه يخالف بما ورد في الدستور، المادة 2 – أولا ً – “الإسلام دين الدولة الرسمي، و هو مصدر أساس للتشريع”: أ – “لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام”. ب – “لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية”. ج – “لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق و الحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور”. ثانيا ً – “يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي”. و هو كذلك يخالف بما ورد في المادة 13 – ثانيا ً “لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، و يعد باطلا ً كل نص يرد في دساتير الأقاليم، أو أي نص قانوني آخر يتعارض معه”.
و عليه فإن النواب الذين ينتمون للأحزاب الإسلامية المهيمنون على مجلس النواب سوف يسيئون للإسلام إذا شرعوا قانون لتقييد حرية التعبير، و هم بذلك سينتجون مجتمعا ً يتصف بالعبودية يسهل إستعماره من قبل القوى الخارجية و الدين الإسلامي من ذلك براء.