ليس غريبا على الشعب العراقي المسكين ، أن يشد حزامه على بطنه ، ضغطا للنفقات وحرصا على أصحاب السلطة أن تتضرر امتيازاتهم أو تعكر أخبار انخفاض أسعار النفط امزجتهم التي تسامت وترفعت عن ما يعانيه منذ سنوات طوال ، هذا الشعب الذي كتب عليه أن يدفع ثمن حماقات ومغامرات حكامه عبر العقود الأربعة الماضية ، دما وبؤسا وحرمان ، وان يكون هو المضحي الأول قبل غيره إذا ما تعرض البلد لفاقة أو لازمة هو بالتأكيد ليس له أي دخل فيها ، انخفضت أسعار النفط إلى ما يقارب النصف بين ليلة وضحاها ، وأمست حكومتنا الوليدة تصفق كف على كف حائرة ، بخزينة فارغة جرفها طوفان الفوضى التي عمت البلاد بعد سقوط الموصل وأخواتها بيد الإرهاب ، وتركة ثقيلة من الأزمات السياسية والاقتصادية لبلد عاش ريعيا منذ أن اكتشف النفط فيه ، أرضه أصبحت بور ، ومصانعه أكل الصدأ مكائنها ، وكم هائل من البطالة المقنعة لموظفين ريعين لا ينتجون غير أكوام من النفايات لبقايا أطعمة يهونون فيها وقع جلوسهم لساعات طوال بلا عمل في وزاراتهم برواتب باتت لاتسمن ولا تغني من جوع … لا لأنهم أردوا ذلك لأنفسهم ، بل خطط لهم أن يكونوا كذلك ، وها نحن نقف على مفترق طرق مجهولة المعالم والخواتيم ، موازنة 2015 اختير لها أن تكون تقشفية ترشيدية ، تسد حد الكفاف وقد امتدت يد التقشف لتقضم جزء من رواتب الموظفين وربما المتقاعدين أيضا ، ووضع رزمة من الضرائب على خدمات لم يلمسها المواطن لحد ألان ، بالأمس القريب عصرنا الحصار الاقتصادي الذي فرضه الغرب المتحضر علينا لا على حكامنا ، وتغيرت به ملامح وطباع مجتمع بأسره لم يكن يعرف طريقا للغش أو السرقة أو الاختلاس إلا ما ندر ، حتى أكلنا رغيف خبز يشكل الدقيق فيه عشرة بالمائة والباقي الله وحده يعلم بماذا حشونا بطوننا في تلك المحنة الصعبة ، كنا نجوع ونعرى وحكامنا ترتفع قصورهم إلى عنان السماء معلنة عن مفارقة غريبة لمتوالية تاريخية تأبى أن تفارق خارطة هذا الوطن المبتلى بحكامه وساسته ، وهي ان الخاسر الوحيد في كل ما حدث ويحدث هو المواطن الفقير … واليوم وبعد أن عشنا وهم الحرية بمنظورها الهوليودي ، وبعد أن أهدرت وسرقت مئات المليارات من الدولارات ، ولا زالت مستشفياتنا فقيرة ، ومدارس الطين والجريد المنتشرة في مدننا كانت ولاتزال تمثل وشما معيبا لأغنى بلد نفطي في العالم ، بعد كل هذا يطلب منا أن نشد الحزام ، إذا كان هذا هو الحل الذي سيعبر ببلدنا إلى بر الأمان في هذه الازمة ، إذن ليشد الجميع أحزمته ، حكام ومحكومين ، أغنياء وفقراء ، وليبدأ قادتنا بأنفسهم ، ولتتقشف المنطقة الخضراء قبل أن تتقشف بيوت الصفيح التي تسور مدننا الفقيرة … فقد تعبت أحزمتنا من الشد حتى كدنا نخشاها أن تنقطع ، واذا ما انقطعت ، عندها ستفتضح عورات الجميع .