23 ديسمبر، 2024 6:03 ص

شخصية الإنسان وانحراف النفس

شخصية الإنسان وانحراف النفس

ترتبط مواقف كل واحد منا من القضايا الدينية بمختلف تسمياتها والقضايا الاجتماعية كالإيثار وحب الغير والأهتمام بأمور العامة ..الخ كل ذلك يرتبط بشخصية الإنسان قوة وضعفًا فأن كانت شخصية الإنسان مسؤولة وجدية نتج عن ذلك مواقف مسؤولة وجدية ولو تدنت هذه الصفة لدى احدنا تجده ذات مواقف انتهازية ومتذبذبة وغير مستقرة تتلون وتتغير تبعا للمصالح الخاصة الضيقة او تجنبا للضرر المحتمل فيقع الضرر الكبير وبمساحة أكبر وهذا يحصل عندما يتخلى كل واحد منا عن مسؤوليته ويتنازل عن شخصيته . يقول المرجع الأستاذ محمود الصرخي (دام ظله) . في كتابه المنهاج الواضح – كتاب الصلاة- القسم الأول ص 33 تحت عنوان “شخصية الإنسان وانحراف النفس” يقول :
وما يؤثر في انحراف النفس ، شخصية الإنسان وكيفية مواجهة الحياة وشؤونها ومواجهة الحياة على ثلاث صور :
1- مواجهة مسؤولة : وتكون المواجهة بروح وشخصية جادة ومسؤولة وواعية وهي روح وشخصية الاسلام والايمان الشاملة للحياة الفردية الخاصة والحياة الاجتماعية العامة لصغير الامور وكبيرها ، والتي تنظر بعين الطاعة والمسؤولية امام الله الخالق المطلق عز وجل ، ومثل هذا الانسان يكون حيويا متفاعلا مع الحياة في كل جوانب سلوكة وافعاله ، لانه سيفعل ما يؤمن به ويعقد بنفعه في الدارين ويرفض ويتجنب ما لا يؤمن به بل يؤمن ويعتقد بأضراره في الدارين فيجتنبه ويبتعد عنه .
2- مواجهة أنتهازية غير مسؤولة : وتكون المواجهة بروح وشخصية النفاق الانتهازية الوصولية التي تفرض على صاحبها مجاراة الناس وخداعهم بالقيام بأعمال يعطيها صورة الصلاح والخير لارضاء الناس لكنه غير مقتنع به بل فعل ذلك من اجل الوصول الى غايته ومصالحته الشخصية ، ومثل هذا المريض المنتفع تكون اعماله باطلة وغير مقبولة ، وقد وصفه الشارع المقدس بالفاسق والمنافق والكافر وعدم كونه مسلما وانه اذا قام للصلاة كان الرياء وعدم الجدية والكسل التام في الصلاة وغيرها ويشهد لهذا:
1- قوله تعالى : {قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ ۖ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ* وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ *وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ …} .
2- قوله تعالى { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} .
3- مواجهة مسؤولة غير تامة: وتكون المواجهة لا بروح وشخصية النفاق بل بروح وشخصية ناقصة لم يكتمل فيها الايمان والجد والمسؤولية، ومثل هذه الشخصية تولد انحرافا وكسلا نفسيا تختلف درجاته بين الكسل المطبق على جميع النشاط الخيَر بعد ان كان الخمول والجمود في القلب ، وبين الكسل الجزئي كالكسل عن محبة الناس او عناصر الصلاة، ولا يخلو انسان من هذا الكسل إلا بعض الاولياء والمقربين والمعصومين (عليهم السلام) فالواجب على كل أنسان معرفة سبب الكسل الذي يعرض له في الصلاة ، فان كان ناتجا عن كسل الجسد والعارض الصحي رفعه بالمعالجة الصحية الجسدية ،
وكذا الكلام في كسل ارهاق النفس حيث يرفع بمعالجة النفس وعدم اجهادها باعمال اخرى اقل اهمية من الصلاة او ليس فيها اهمية اصلا ، وان كان الكسل ناتجا عن كسل انحراف النفس الذي فيه الضمور والضعف في التفاعل مع السلوك والنشاطات الخيرة ، فتصبح صلاته (مثلا) صلاة كُسالى ، ولمعالجة هذا الكسل في الصلاة وانقاذ النفس بالخروج من صلاة الكسالى الى صلاة الواعين العارفين الخاشعين ، بأساليب مختلفة مناسبة منها :
1- تطهير النفس وتزكيتها من الانحرافات الروحية والاخلاقية .
2- تفهم الصلاة ومعرفة ثمارها ومعطياتها الروحية والنفسية والصحية والاجتماعية .
3- معرفة حقيقة الصلاة وادابها المعنوية، وادراك ذلك وتفهمها للدرجة التي يحس المصلي ويشعر ويستمتع بنظر الله تعالى إليه في الصلاة وان الملائكة والصاحلين (عليهم السلام) يؤمنون على دعائه ويستغفرون له ، فيعيش بروحه وفكره وجسده براحة ومتعة في حقل جميل واسع منفتح فيه الحياة والرقي والتكامل . أنتهى كلام السيد المرجع .
كما تلاحظ هذه النافذة الاخلاقية اطلت بنا على العالم الحقيقي للصلاة وكيف ان كل واحد منا بامكانه ان يرتقي اذا زكى نفسه وفهم غاية الصلاة وعرف حقيقتها.