عميد ركــن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ
ما الموضوع؟ وما القصة؟؟ وماذا يدور في عالمنا؟؟؟
أساطيل تتحرك وبوارج تبحر… طائرات تقلع وبعشوائية تقصف… مقذوفات “كروز” تقطع مئات الكيلومترات وتدمّر… مدافع وصواريخ لرؤوس الخصوم وألوف الأبرياء تحصد… دول تتحالف بالعشرات وبأسلحتها المخزونة على المتصارعين تتكرم… بلدان الجوار بلا قيود تتدخل… دول أضحت (ملطشة) تحت سطوة الكبار وتتكفخ… ميليشيات على الجيران تمُنّ و بلا رقيب أو حسيب تدعر… أسلحة للأرواح بالجملة تحصد… مدن وقرى وأرياف بالمئات على رؤوس أهليها تخرّب… أقطار عامرة إلى الركام تتحول… ملايين بلا مأوى في العراء تهيم… حكومات غنية تفلس… شباب وأطفال ونساء وشيوخ بالملايين من جحيم ديارهم إلى المجهول تهرب… آلاف في مياه البحر بلا منقذ تغرق.
ونعلم علم اليقين أن الحروب وقعت طوال التأريخ لأسباب تافهة في العلن، وأن الحرب العظمى الأولى -التي زهقت أرواح (50) مليون إنسان- إندلعت عام (1914) وطالت (4) سنوات إثر حادث إغتيال “الآرشيدوق فرديناند” ولي عهد “إمبراطورية النمسا والمجر” في مدينة “سراييفو” على يد معارضين إنفصاليين… وكذلك الحرب الكونية الثانية -التي إستغرقت (6) سنوات حاصدة (70) مليون من البشر- كانت ذريعتها المعلنة عام (1939) عدم قبول “بولندا” إعادة ممر “دانزك” نحو “بحر البلطيق” إلى “آلمانيا”… ولكن الحربان كانتا بين جيوش نظامية في معظم ساحاتهما وفقاً لتحالفات ومواثيق لها أصولها وجذورها، ولم تشتمل في أوج صراعاتهما (43) دولة، (8) منها عظمى والأخريات إما تابعات أو مرعوبات أو متزلّفات، أو أُحتـُلّت قبل إرغامها على إعلان الحرب، وكانت مجموعة “الحلفاء” بقيادة “بريطانيا العظمى” تضم (20) دولة مقابل (23) لمجموعة دول “المحور” بزعامة “آلمانيا”، وإمتدت ميادينها لتشتمل كل قارات الكرة الأرضية ومحيطاتها وبحارها ومعظم مضائقها، وأستخدمت فيها أفضل أسلحة العالم المتمدن الثقيلة والمتوسطة والخفيفة وجميع أنواع الطرادات والفرقاطات والمدمرات والبوارج وحاملات الطائرات العملاقة إلى جانب كل طرز الطائرات المقاتلة والهجوم الأرضي والقاصفات الضخمة وصولاً إلى إلقاء القنبلتين النوويتين الأمريكيتين على “هيروشيما وناكازاكي” في (آب/آغسطس1945).
كل طرف في ذلكما الصراعين العظيمين قد حشّد قواته وتآزر مع آخرين وتهيأ للقتال لأنه وجد قبالته طرفاً متحشداً تحالف معه آخرون، فتصاعدت الأمور يوماً بعد يوم فحصل ما حصل… ولكنا نشاهد منذ (آب/آغسطس2014) تحالفاً دولياً يزيد بمقدار 150% على تحالفات الحربين العالميتين، وقد ضم (65) دولة من بينها (3) دولة عظمى معروفة بقدراتها، وإلى جانبها العديد من دول كبرى مقتدرة عسكرياً وإقتصادياً بقيادة “واشنطن” نشرت في “الشرق الأوسط” العشرات من أفضل طائراتها الأسرع من الصوت وسمتياتها/مروحياتها المصممة للهجمات الأرضية والمجهزة بأدق المقذوفات المسيّرة ليزرياً، وحركت بوارجها البحرية والبعض من حاملات طائراتها لتتمركز وسط بحار تحيط بالخصم المستهدف لتقلع منها طائرات ذات طرز أفضل من تلك المنتشرات في قواعد أرضية… ولمـا لم يقتدر كل من “العراق وسوريا” والمتداخلون من الجوار بقواتهم المسلحة لصالحهما من حسم الأمر على الأرض رغم مساندة ذلك التحالف الدولي، فقد إشتاطت دولة عظمى رابعة ممثلة بـ”روسيا الإتحادية” غضباً وإستخفت بعزيمة الآخرين وتوعدت بإنهاء الموقف المتأزم على الأرض في غضون مدة أقصاها (4) أشهر، فجاءت بـ(69) من أفضل طائراتها إلى “سوريا” وأتبعتها بحاملة طائرات تحمل (43) طائرة قبل أن تأتي قاصفاتها العملاقة التي تحمل كل بمفردها (40) طناً من القنابل زنة الواحدة منها (1-3) أطنان متـّبعة سياسة الأرض المحروقة بمحوها بلدات وقرى مأهولة عن بكرة أبيها، حتى بلغت أعداد ضرباتها الجوية على الأرض السورية لوحدها ما يربو على (150) قصفة جوية باليوم الواحد، مسجلة أكثر من (5000) ضربة خلال شهرين، فيما أطلقت بوارج أسطولها المخصص لـ”بحر قزوين” العشرات من مقذوفات “كروز” مخترقة أجواء “إيران والعراق” نحو أهداف في “سوريا”، بل ونسّقت مع “فرنسا” -الجريحة بعمليات إرهابية متزامنة في قلب عاصمتها- لقصم ظهر هذا العدو العنيد…
ومضى على التدخل الروسي العنيف لحين كتابتنا لهذه السطور شهران وأسبوع من دون أن يتراءى للمتابعين نصر قريب أو قصم ظهر ملموس، ولا تقدم مشهود في ميادين المواجهات والإشتباكات اليومية التي لم تتمخض إلاّ عن اليسير من القرى التي إسترجعتها قوات “دمشق” إلى حاضنة الدولة في غضون الأسبوعين الأولين، ولكن ما لبث الخصوم أن أعادوا إستحواذهم عليها ثانية بهجمات مقابلة لم يفد الدعم الجوي العنيف في إيقافها، فلم يحصل شيء يذكر على المستويين الإستراتيجي والعملياتي.
وهنا الرجاء الذي نطرحه أمام ناظري الإستراتيجيين “هنري كسينجر ومحمد حسنين هيكل”، ليس لعدم إمكاننا من تحليل مجريات الأمور أو محدودية معلوماتنا الإستراتيجية والعملياتية وضيق آفاقنا التأريخية ورؤانا المستقبلية، بل لكون العرب -بشكل عام- مؤمنين في أعماقهم بأن (مغنية الحي لا تطرب)… ولذلك نتقدم إليهما ليتكرما بالإجابة على تساؤلاتنا:-
1. في الحربين العظميين وكل الحروب التي تلتهما كانت الأطراف المتصارعة منقسمة إلى تحالفين واضحين وبقيادتين لا لبس فيهما… فلماذا ينقسم عالم اليوم إلى كتل وتحالفات متعددة لا يُعرَفُ رأسها من قدميها؟؟؟
2. ولماذا يرتعب العالم كله من (عصابات مرتزقة) -حسب تسمية المتضررين- بهذا الشكل المزري؟؟؟
3. وهل يعقل أن يتحالف معظم العالم ويحشد كل هذه الأساطيل البحرية والجوية، وربما قوات خاصة في الطريق، للقضاء على مجرد (عصابات مرتزقة) أعلنت “الخلافة” على بقعة لا تتجاوز ليس 1% بل وحتى 01% من مساحة المعمورة؟؟؟