في تأريخ كل منا ، مجموعة من الشخصيات ، التي كان لها الأثر البالغ في أنها رسمت معالم شخصيتنا، وقد تأثرنا بها (إيجابا) وإستفدنا من قيمها المعرفية والأخلاقية في رسم معالم تلك الشخصية ، ووضعت لنا مسارات وخارطة طريق، ليس بمقدورنا الا أن نمتثل لتلك القيم الرفيعة التي غرستها فينا والخصال التي نمت في الوجدان والضمير، وهي من نتفاخر بها ونعتز أنها كانت مثلنا الأعلى ، عندما سرنا بخطى واثقة في دروب هذه الدنيا!!
ربما كان دخولي الى قسم الاعلام في كلية الآداب عام 1974 ، المرحلة التي وضعت بداية اللبنات الأولى لتلك المعالم من خلال أساتذة أجلاء تتلمذنا على أيديهم، ومنهم أستاذ الفلسفة المرحوم الدكتور حازم طالب مشتاق ، الذي له الفضل الكبير في تشكيل معالم مهمة في شخصيتي وتنوير أفكارها ورؤاها والدكتور سامي النصراوي أستاذ القانون الدولي رحمه الله واستاذي الصحافة والرأي العام الدكتور خليل صابات والدكتور مختار التهامي رحمه الله ، وتعد مرحلة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، الفترة الذهبية في مسيرة حياتي..وسبقتها مرحلتي المتوسطة والاعدادية وعلى يد أساتذة على درجة عالية من العلم تتلمذنا عليهم ايضا ، وهم على درجة من الأهمية في تشكيل معالم تلك الشخصية ومنهم أستاذ اللغة العربية المرحوم سهام الكبيسي والاستاذ مبارك الهيتي وأساتذة آخرين من مختلف الإختصاصات!!
كان الدكتور نزار الحديثي أستاذ التاريخ في كلية الآداب ، وأصبح فيما بعد رئيس قسم التاريخ وعميدا لها نهاية السبعينات وبداية الثمانيات هو أحد من رسم أحد معالم الخطوط المهمة لأسس تشكل الشخصية العراقية الممتلئة بحب تاريخ العراق والتاريخ العربي عموما، ومن وضع للقيم العربية ولمضامين العروبة خططها العريضة ، وكان له في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات في دورة الحرب النفسية الدور الذي لايمكن أن أتغافله في رسم بعض معالم شخصيتي ، في أن إستلهم قيم هذا التاريخ من قبله المرحوم الدكتور طه باقر أستاذ التاريخ القديم ، عام 1975 ، وما قراناه وتمعنا في مضامين أفكارهم النيرة ،وكانت شخصيتهما محط احترام وتقدير كل من تتلمذ على يديهما أو إستفاد من علمهما الغزير وإسلوبهما الفريد في إيصال الأفكار بإسلوب بلاغي فريد ،وكنت نهاية السبعينات ، أكتب كل فقرة يرددها الدكتور نزار الحديثي في محاضراته، وأتمعن في دلالاتها ، وهي من تثير فينا الروح الوطنية والقيم العليا الى أقصاها !!
وكان لأستاذ علم النفس في الجامعة المستنصرية المرحوم الدكتور إبراهيم الكناني وبعد تخرجنا عام 1978 من كلية الاداب جامعة بغداد ودخولنا دورة الحرب النفسية عام 1979 التي إستمرت لعام كامل ، الاثر البالغ في رسم معالم شخصيتي وتمثل إسلوبه الحضاري الراقي في تدريس أسس علم النفس والحرب النفسية، وهو من أطلعنا على أفكار ورؤى كبار علماء الشخصية وواضعي لبناتها ، وكانت محاضراته عام 1979 من أغنى المحاضرات التي بقيت حاضرة في ذاكرتي لعقود ، وكان الرجل هادئا يمتلك علما وأدبا جما، وكان مدرسة فكرية وقيمية نهلنا من علمها الكثير، رحم الله استاذنا الكبير ابراهيم الكناني وأسكنه فسيح جناته!!
لقد شجعتني أفكار الدكتور إبراهيم الكناني على تلخيص أفكار أربعة من كبار المهتمين بعلم الشخصية ومن وضعوا نظرياتها ومنهم كما اذكر : (البورت، ويونغ ، وفرويد ، وروجرز) والتي تشكل مادة حيوية وغاية في الاهمية لم يريد ولوج دخول ميادين هذا العلم الستراتيجي في علم الشخصية بكل مجالاته والتعرف على خفايا السلوك البشري وكيف ترتسم سلوكيات الأشخاص والافراد عموما .
وكان لاطلاعنا على افكار اساتذة تاريخ اوربيين وساسة مهمين من مختلف دول العالم الأثر في استلهام بعض افكارهم في تشكيل معالم تلك الشخصية ورفدها بعموم نظرياتهم السياسية التي تشكلت في سنوات سابقة.
وكان من رجالات السياسة ، ممن كانت لهم مآثر خالدة في تشكيل شخصيتي ، ورفدها بمعارف السياسة وفك رموزها أساتذة ورجالات الفكر القومي العربي.. ومن رجالات السياسة الكبار هنري كيسنجر الذي أطلعت على معظم أفكاره في كتبه التي أعدها في السبعينات وبخاصة كتابه الشهير ( توازن القوى) منذ كان كان مستشارا للأمن القومي الامريكي واصبح وزيرا للخارجية في عهد الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد 1973 – 1977، والذي يعد في ذلك الوقت أفضل رجل وضع معالم الستراتيجية الأمريكية وكيف أسهم بحفظ التوازن في العلاقات بيد العملاقين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أنذاك ، وكانت أفكاره في غاية الروعة، وقد حفظت معظم أفكاره عن ظهر قلب في حينها..كما كان مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية في وقت لاحق زبغينو بريجنسكي، في الثمانينات وكتله ( أوهام في توازن القوى) الذي كانت لأفكاره هي الأخرى في تحطيم (نظرية توزان القوى) الأثر البالغ في رسم الرؤى والافكار النيرة التي تتلمذت عليها من خلال تسجيل تلك الافكار في كتابه الشهير الآخر : (بين عصرين..أمريكا والعصر التكنتروني ..) والذي فند فيه نظريات كيسنجر فيما بعد ، مشيرا الى أفول (عصر التوازن) بين أمريكا والاتحاد السوفيتي..وهو من وضع نظرية (الحفر أسفل الجدار) التي زعزعت دول أوربا الشرقية الاشتراكية ومن ثم الاتحاد السوفيتي فيما بعد..ومسؤولين أمريكيين آخرين مثل مستشارة الامن القومي الامريكي ومن ثم وزيرة الخارجية الامريكية غوندليزا رايس للفترة مابين 2001 و2009 وما اثارته نظرية الفوضى الخلاقة في عهدها من سيناريوهات!!
كما كان لمصاحبتي عددا من الزملاء والاساتذة الاعزاء وجلهم من شخصيات ثقافية وأدبية ومعرفية كبيرة طوال اربعين عاما ، كانت لها هي الأخرى في إكمال معالم تلك الشخصية ، وهي من ننهل من معارفها وقيمها الكثير..هذه بإختصار أبرز تلك المعالم التي شكلت تلك الصورة الجميلة التي ما تزال مصدر فخري واعتزازي ، وهي من لها الفضل الكبير في رسم معالم تلك الشخصية طوال حياتي!!