تاريخ الشعوب والمدن يكتب بالعناوين المؤثرة في المدينة , بالشخصيات والأدوار التي لعبها كل شخص من خلال موقعه , ومدينة الفاو أكاد أن اجزم إنها مدينة عاش فيها كل نسيج المجتمع العراقي , ولكنها تفتقر إلى من يدون تاريخها وما قدمته للمجتمع البصري والعراقي , وهناك مدن يتفاخرون إن جدهم نحر بعيرا لضيوف قبل قرنين من الزمن , وربما يكون البعير هدية أو مدفوع الثمن من أهل البصرة أو الفاو , ولكن الفضل يسجل باسم أولئك لان عندهم من يؤرخ الحادثة …
الملا مصطفى البرزاني حين عاد إلى العراق عام 1959 بعد ثورة 14 تموز أول من استقبله من العراقيين هم أهالي الفاو , حيث خرجت البواخر والزوارق التابعة لمشروع حفر سد الفاو وقد امتلأت بالجماهير يلوحون ويهزجون للقائد الكردي , حتى إن الباخرة الروسية آلتي أقلته توقفت مقابل الأرصفة لفترة عشرة دقائق , وكنت ممن حضر ذلك الاستقبال وعمري ثمانية سنوات , رأيت الناس يصطفون على طول الساحل في الاحواز الجنوبية والسوق والجبيلة وحوز ابن ضبط … ولكن بعد سنتين استقبلت الفاو جثث أبناءها الشهداء من الذين استقبلوا الملا البرزاني يقتلون على يد البيشمركه …
في بداية الستينات اعتمد السيد محسن الحكيم {قدسره} أسلوبا جديدا في فتح مكتبات دينية في جميع مدن العرق , في وقت لا توجد أي مكتبة في الفاو , وكان الاختيار ان تفتح مكتبة في جامع الفضلي رحمه الله , حضر الافتتاح وفدا يترأسه شهيد المحراب سماحة السيد الشهيد محمد باقر الحكيم ,, وقد كان استقباله يوما محفورا بالذاكرة , خرجت الفاو عن بكرة أبيها شيعة وسنة ومسيحيون وصابئة , وصلت السيارات من الفاو الى ناحية البحار وملأت الصحراء بالناس وشق السيد الحكيم طريقه بصعوبه بالغه , شاركت شركة النفط وميناء الفاو بالسيارات الحكومية لنقل الناس , نحرت الذبائح في الشوارع .. تم افتتاح المكتبة قبل المغرب , وصلى السيد الحكيم في الناس بأكبر صلاة مشتركة سنية شيعية في العراق لحد الآن حيث امتلأ الشارع المقابل لجامع الفضلي بالمصلين من الشيعة والسنة ..
ردا على هزيمة حزيران عام 1967 قامت المساجد الكبيرة في البصرة باحتفالات يوم الخامس عشر من شعبان كل عام , كانت الفاو رائدة بذلك الاحتفال حيث يهيْ له قبل شهر , تستضيف الفاو اكبر الشعراء الإسلاميين في النجف وكربلاء وبغداد والحلة والعمارة ,يتحدث في الحفل عدد من الأدباء والعلماء والمثقفين , وقد حضر أبناء السيد بحر العلوم مرتين إلى الفاو , وشخصيات من الكوت وأساتذة جامعة البصرة حتى قال احد علماء النجف كلمة لا زلت اذكرها .. قال : ” الفاو سرقت الأضواء من كربلاء باحتفال ولادة الإمام الحجة عج” فكان الشعراء يتهيئون لاحتفال الفاو لأهميته … ومن أحدى احتفالات الفاو ظهرت قصيدة لأحد الشعراء النجفيين لا أتذكر اسمه يذم فيها نظام عارف حينما استدانت 10 عشرة ملايين دينار من الكويت , قال : مددنا كفنا للكويت نستنجد بها … وماء الفاو كان لها يعدُ .. ويعني نقل الماء الحلو للكويت من شط العرب بالفاو وقد اهتمت قوات الأمن بعد انقلاب 1968للاحتفال , وكان يحضر عدد من ضباط مديرية امن البصرة وعناصرهم للفاو قبل الاحتفال .. وقد تم إعدام عدد من المشاركين بتلك الاحتفالات …
ومن الشخصيات الخطابية المنبرية التي أثرت ثقافيا ودينيا في طبقة واسعة من أهالي الفاو , يقف في مقدمتهم السيد سعدون البعاج رحمه الله من أهالي النجف الاشرف في النصف الاول من القرن العشرين .. والسيد جابر أبو الريحه الشهيد المعدوم من قبل النظام الصدامي .. والشيخ عبد الحميد المهاجر , والشيخ محمد رضا الحلفي ..وعدد كبير من الخطباء المرموقين ..