لعل ما يميز بعض المسؤلين في العراق عن بقية أفراد مجتمعهم انه لا يملك البصيرة للتفريق بين التخطيط والتخبط رغم الفارق الجلي بينهما ، فمثلا لايوجد في قواميس العمل في مفوضية الانتخابات ما يسمى التخطيط وانما العمل يتم من خلال قرارات انية تبنى وفق المقتضيات الحزبية أو الشخصية لأعضاء مجلس المفوضين ، وفي تحايل على القوانين في وضح النهار وتحت أنظار مشرعيها لتحقيق ما يسمونه بالتوافق الحزبي أو المذهبي أو الطائفي.
أن ما يجري في مفوضية الانتخابات اليوم يعكس واقعا مريرا لسياسة عمل هذه المؤسسة الفتية وانتكاسة في مقوماتها وانهيار الأسس التي أنشأت على أساسها فالتخبط الواضح في قراراتها وعدم وضوح سياسة عملها وانحيازها لطرف بعينه دون الأخر تحمل تناقض حقيقة واقع استقلال عملها والتي أضحت محط سخرية العاملين في أروقتها قبل غيرهم . حيث يشهد ساحات عملها حملة واسعة للتخلص من كل الكوادر المستقلة وتقاسم الشواغل في دوائرها وأقسامها بين الأحزاب والكتل وفق ما تمتلك من نفوذ لها في المؤسسة في مسعى خبيث لتجريد المفوضية من عنوانها وتسميتها بالكامل . ان سريان سم الطائفية والحزبية في جسم المفوضية أدى إلى شل كل طاقتها وقدراتها بعد اسكات الأصوات المعارضة لقرارات مجلس المفوضين وسياسة عملها ليصبح المتسلطين فيها وكأنهم معصومين من الخطأ والزلل يحكمون بما يشتهون .ولعل هذا الخلل ليس محدودا ضمن دائرة المفوضية بل تتعدى لتصل إلى حد تغيير إرادة الناخب في صندوق الاقتراع ليصب وفق اتفاقات مبرمة في ساحة المفوضية لاحزاب بعينها واخراج نتائج الانتخابات بسيناريوهات معدة سلفا ،بعد غياب الصوت المعارض والمراقب للعمل وخاصة من المتخصصين في العمل .
وفيما سعى خبراء الأمم المتحدة المتخصصين في مجال الانتخابات ومنذ تاسيس مفوضية الانتخابات عام 2004 على استقلالية قرارات المفوضية وابتعادها عن السياسة والصراع الطائفي والحزبي وضرورة إبقاء ساحة المفوضية بعيدة عن تسلط الكيانات السياسية استطاعوا أيضا تطوير كادر المفوضية من خلال برامج تدريبية تعتمد مناهج علمية عالية المستوى وفي مراحل تسلسلية استغرقت زمن من التدريب الجاد لنقل خبراتهم العملية لكادر المفوضية ، ورغم كل هذه المسيرة الطيبة في بناء مؤسسة عراقية بذل فيها الجهد والأموال يتم محوها وتشريد كادرها تحت مختلف العبارات المطاطة التي تعطي الذراع القوي لصاحب القرار من تصفية كل من لا يوافق رغباته وتطلعاته الشخصية الضيقة ولأسباب قد تكون شخصية وكما يقال بجرت قلم ليصدر مجلس المفوضين قرارها بإنهاء خدمات جملت من الموظفين.
هذه دعوة لإنقاذ ما تبقى من مؤسسة ديمقراطية يرسم من خلالها الخطوط العريضة للحياة السياسية في العراق وما تعكسه على ارض الواقع من تحقيق تطلعات الشعب ، لعلنا نجد وممن بقي لديه غيرة عراقية على مؤسساته وماله ومكتسباته ان ينتفض ويطالب المفوضية بجرد كامل لكل موظف تم إنهاء خدماته منذ تولي مجلسها الجديد إدارة المفوضية . ويتحقق من ممارسة التعسف الإداري وإجبار البعض منهم على تقديم استقالتهم او ترك العمل بالإكراه والتهديد . وإحالة ملفهم إلى لجنة متخصصة لدراستها وتقديم توصياتها الى مجلس النواب المشرف على عمل المفوضية وفق الدستور .