19 ديسمبر، 2024 3:49 ص

خلال عشر سنوات في العمل في كبرى الشركات العالمية في موقع تنفيذي مهم ، حيث كانت هذه الشركة مؤسسة متعدد الجنسيات . لاحظت من خلال عملي الطويل فيها أمر يتميز به اغلب العاملين من الشرق الاوسط وهو( شخصانية التفكير المحلي )الذي اعني به: عملية طرح الاراء والافكار والاحكام تجاه الاشخاص من خلال زوايا شخصية بحته ،تفتقر الموضوعية في الطرح والتقيم . من خلال اجراء الالاف من المقابلات مما يعرف في مجال الاعمال (interviews) اي المقابلات الهدف منها الوقوف على امكانيات الشخص وقدراته ومواهبة .وجدت بعد لقاء العديد من العرب الحاصلين على شهادات عليا في مجالات متعدده، كذلك افراد من جنسيات غربية .كان الهدف الاساسي من هذه اللقاءات تكوين مجموعه من الملاحظات التي ممكن ان توصف بانها ملاحظات حضارية ثقافية .حيث بلغ عدد من قمت باقامة مقابلة عمل لهم ما يقارب ال(1000) فرد وقد انتهيت الى ملاحظة يصعب دحظها .فقد انقسمت تلك التعليقات الى طائفتين .

الطائفة الاولى: يمكن ان نسميها بالتعليقات الشخصية وهي انطباعات كان الاشخاص يعبرون عنها بكلمات طيب متواضع لطيف ،على خلق رفيع ودوود وغيرها من التعبيرات ،واحيانا تأتي على العكس من ذلك مثل شرير مغرور سيء ،الى اخرها من هذه الصفات.

الطائفة الثانية:يمكن ان نسميها اراء موضوعية حيث كان الشخص الذي تجري معه المقابله يعبر عن ارائه بكلمات مثل كفء مثقف يتقن عمله منتج بشكل كبير له قدرة على القيادة او التحليل .اما في الاتجاه المعاكس فتأتي الاراء مثل غير كفء محدود الدراية لايتقن ما يعمله .

الملاحظة الصادمة كانت ان اكثر من 90%من الذين التقيت بهم كانت ملاحظاتهم اغلبها من الفئة الاولى ،حيث ان الافراد لا تفرق بين دائرة الاهل والاقرباء ودائرة الحياة حيث نستخدم نفس ادوات الحكم في الدائرة الصغيرة على الدائرة الكبيرة .في حين تم لقاء مع اكثر من 300 شخصية اجنبية فوجدت ان اغلب التعليقات هي تعليقات موضوعية تنتمي للفئة الثانية، التي تستخدم تعبيرات تتعلق بالكفاءة والقدرات والمواهب وان اقل من 10% استخدموا تعبيرات شخصية . هكذا يصف لنا طارق حجي في كتابة نقد العقل العربي عن ظاهرة اصبحت متفشية في المجتمعات العربية عامة والعراق خاصة . هي ظاهرة( الشخصانية بالتفكير) في مختلف اوساطنا المتعلمة والغير متعلمة بصورة كبيرة، حيث الاثر السيء لهذا التفكير اذ يصل الغير اكفاء الى مناصب حساسة ومفصليه في الدولة ، الا انهم يفشلون في ادارة المؤسسات التي يقومون بإدارتها بسبب عدم كفاءتهم، ووصولهم لهذه المناصب بسبب المحسوبيات والشخصانية بالتفكير .. كذلك تفشى الرشوة والفساد وتلكىء العمل الاداري والسياسي والاقتصادي مما يؤدي الى انهيار البلد . ان الفصل في الحكم على الافراد خاصة في مجال العمل العام ،لابد ان يكون بالفصل بين الامور الشخصية الذاتية ،وبين الكفاءة في العمل حيث يخضع الافراد في مختلف المناصب ،لمقايس الموهبه القدرة والخبرة بالاضافة للتحصيل العلمي، وليس للمحسوبيات والاحكام الشخصية .الامر الاكثر ظهورا هو خلط الجانب الفني والاداري للافراد مع الجانب الشخصي الذاتي .عيب شخصانية التفكير يحتاج الى علاج شامل يشترك في كل من ، المؤسسات التعليمية والتربوية تنطلق من رؤية واضحة لهذا المرض الاجتماعي المتعشعش بالفكر العام .لتبدأ المرحلة الاولى من التعليم المدرسي لتعليم الاطفال طرق التفكير السليم والفصل بين الامور الذاتية والموضوعية .كذلك دور المثقف لكشف عيوب والاثار المدمرة للشخصانية بالتفكير والتي تنعكس اجتماعيا واخلاقيا داخل المجتمع. ، واخيرا وسائل الاعلام لما تملكة من سلطة التاثير التحكم في التوجهات العام للتفكير ،بسبب حجم المتابعين لوسائل الاعلام المختلفة ،من خلال العمل على برامج هادفة تقوم بإستضافة الخبراء في المجالات الفكرية والتربويه والمعرفيه لتحديد المشكلات وتقديم الحلول الناجعه لها من اجل النهوض بالواقع الفكري والمعرفي للافراد . ان اي عملية تغير خاصة على المستوى الفكري تحتاج الى وقت وصبر، لكن الاهم ان تكون البدايات صحيحة حتى نستطيع جني ثمار اي عمل نقوم به.
ومضة :
عندما يشرع الرعاع في التفكير يتلف كل شيء.

فولتير

أحدث المقالات

أحدث المقالات