23 ديسمبر، 2024 10:58 ص

شخبوطة لأهل الوطن ..

شخبوطة لأهل الوطن ..

ما الذي أًصابنا؟ كيف أصبحنا نخّون بعضنا بهذه السهولة ؟منذ متى كان حب الوطن تهمة؟ منذ متى كان الانتماء للوطن إهانة وشتيمة في حق من يعبر عنه؟ أن تعلن اليوم بأنك تحب وطنك أصبح شبهة. أن ترفع علم بلادك أصبح مدعاة للسخرية. أن تشجع مبادرة ما داخل الوطن ، مهما كانت جيدة و ليس لها علاقة بالنظام ، أصبح دليلا على أنك موال للنظام مستفيد من ريعه، و فضيحة يجب أن تسترها. لكي تكون لديك مصداقية ، عليك أن تشكك في الوحدة الترابية . لكي تكون لديك مصداقية، عليك أن تعتمد نظرية المؤامرة في كل تحليلاتك ونقاشاتك. باسم قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، يصبح البعض إقصائيا. إما أن تشتم ، وإلا فلا مصداقية لك .سادتي ، هذا الوطن ليس جنة. هذا الوطن يتخبط في قدره من المشاكل وفي نصيبه من الإحباطات. أن تحب وطنك لا يعني أن تغمض عينيك عن سلبياته. أن تحب وطنك لا يعني رفضك الاعتراف بأوجه الخلل التي تسكنه. أن تحب وطنك لا يعني أن تكتفي بأن تغني ” جنة جنة ياوطنة “. و أيضا حتى تكون ذا مصداقية لا يفترض بالضرورة أن تغرد طوال الوقت بأن لا شيء يسير على ما يرام في هذا البلد. حتى تكون ذا مصداقية ليس مشروطا بالتصفيق لكل المبادرات السلبية ولا بالركوب على كل موجات المعارضة، حتى تلك التي تفتقر لأدنى شروط الموضوعية. حتى تكون ذا مصداقية لا يعني أن تدعم كل المطالب بما فيها تلك التي لا تمتلك شروطَ العقلانية. حتى تكون ذا مصداقية لا يعني بالضرورة أن تندد بكل المبادرات وأن تشكك فيها . حتى لو كانت جيدة. حتى لو كانت إيجابية.أن تحب وطنك لا يمنعك من أن تتألم من أوجه التخلف التي يعرفها، وأن تنتقد القرارات غير الصائبة، وأن تحاول تقويم الإعوجاجات قدر الإمكان. أن تحب وطنك لا يمنعك بأن ترى أوجه الخطأ في بعض القرارات الصادرة من المؤسسات الرسمية ومن السلطان، ولكن أيضا من المواطن العادي الذي يكرس بدوره أوجه التخلف. بالمقابل، أن تكون موضوعيا لا يمنعك من انتقاد بعض المطالب غير المشروعة وأن تنتقد بعض المواقف التي تعتمد المعارضة من باب “الأتجاه المعاكس ” فقط… هذا الوطن ليس كاملا ولا هو جنة خضراء. مساره، ككل التجارب الإنسانية والتاريخية، تتخلله بعض مظاهر النقص والضعف. لكنه ليس مسارا جامدا. هو مسار حي يتعثر ويعود ليقف على قدميه ويمشي بثبات. أن تحبه وأن تعتز به لا يمنعك من رؤية مظاهر الخلل فيه. أن تحبه وتعبر عن حبك له ليس أمرا تخجل منه أو تُشتم لأجله. وأن تشتمه وتنتقده بسبب أو بدونه، لم ولن يكون دليلا على الموضوعية ولا على الضلوع في النضال ولا على المصداقية.